اقلام حرة

العتمة والضوء …

أجمل ما في العتمة انّك لا ترى وجهك حتى في المرآة، انّك ترتاح من فضح الضوء لما حولك،انّك تختفي عن خارطة تحديد المكان والزمان حتى انّك تشعر بجدوى قوة الجاذبية نحو أعماق الارض. إلى العالم السفلي.

وحده الضوء يصرّ عليك أن تعاكس قوة جاذبية الارض، أن تسافر ،ان تهاجر ،ان ترحل ،ان تذهب ،ان تعود ،ان تحاول ،ان تسعى وان تعمل لتعيش بشروط افضل. أن تشقى. ليس الظلام بشرّ. نحن اقنعنا انفسنا بأن العتمة شرّ.

للعتمة فضائل تتجاوز حسنات الضوء. العتمة تسمح أن لا نرى وجوه بعضنا البعض عندما نتكلّم ،عندما نراوغ،عندما نكذب وعندما نحتال.

ربّما الضوء مخادع يُقنعنا بما يخافه القلب في اللحظة الاولى. القلب يصدقنا القول. العتمة تلزمنا ان نسمع،ان نرى مثلما توحيه لنا الاذن،مثلما نحن يناسبنا ان نرى المشهد،كيفما يحلو لنا نحن ان نحيا اللحظة حيثما نحن موجودون.

في العتمة يسقط الجمال ولا تؤذي القباحة. لا اغراء. نظنّ الأعمى يشقى.

ليس هناك في الحقيقة رجل أعمى. هو الأعمى لا يريد أن يرانا. مرتاح في عتمته،يركّب المشهد ويراه كما يناسبه تماما. ربّما البصر في العتمة أصدق.

ربما كان أفضل ان يكون الظلام إله الخير في الاسطورة الزردشتية،ربما لخطأ مطبعي تبادلت الآلهة أماكنها واسمائها وادوارها.

فشل اله النور في ترتيب وتنظيم السلام والمحبّة. يجب أن نعطي الفرصة لإله الظلام ان يحاول. نيكس،نوكس،ايريبوس،ست في الزمن الغابر في الفوضى،ابوفيس،ارشكيجال، ربما يجب إعطاء الفرصة لأهريمان،انغراماينو ان يحكم العالم . العتمة لا تفضح ،تجعلنا نمارس أنانا باللمس،بالذوق،بالسمع،بالشمّ. البصر يطغى على باقي الحواس ما يجعلنا نسقط في الخطأ بسهولة. ف

ي العتمة نضطرّ ان نستعين بالعقل وبكل ما لدينا من احاسيس حتى الحاسة السادسة نعيشها نشيطة بقوّة. ربّما مصيبتنا من الشمس. من الضوء. من النور.

ممّا نظنّه وضوحاً للمشهد.

العيش في العتمة لأسبوع يساعد للتخلّص من التعلّق بالنور وبعدها لن يرضى احد الا وان يبقى مختفيا في الظلام كي لا يرى احد. إدمان على الضوء.

 

د.احمد عياش

المقال يعبر عن رأي الكاتب و ليس رأي الموقع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق