اقلام حرة

لعنة الله عليك يا غوغل

لعنة الله عليك يا غوغل …
قبله … كانت تسألني ابنتي الصغيرة عن اعلى القمم ، واطول الانهار ، واعنف البراكين ، واسرع الاعاصير ، واشرس الحيوانات وعندما اعطيها الجواب ، أحس بوجودي ككتاب جغرافيا بجانبها … كانت تسألني عن فتح عمورية ، ومعركة ذات الصواري ، وعن عبدالله بن ابي السرح ، وفتح الاندلس وطارق بن زياد ، وهارون الرشيد والجواري والغلمان ، والخلفاء الراشدين والولاية ، عن عباس بن فرناس وفكرة الطيران ، عن الوحدة العربية و جمال عبدالناصر ، عن حرب تشرين وحافظ الاسد ، كنت احس بوجودي بجانبها وانا اعطيها الاجوبة ككتاب التاريخ …..كانت لا تغفو الا عندما الاعب جدائلها ، واحكي لها قصة ليلى والذئب ، وعنتر وعبلة ، وقيس وليلى ، وعن سكربينة سندريلا ، وبياض الثلج والاقزام السبعة ، كنت احس بوجودي بجانبها ونحن نغفو سويا كنت الحضن الدافئ وصندوق الدنيا الذي ينقل اليها الصوت والصورة والمشهد …
كانت تسألني من خلق الدنيا ، ومن خلق الله ، ولماذا السماء لونها ازرق ، والقلب لونه احمر ، ولماذا يقتل الإنسان….. الانسان. ان بعض اسئلة الطفولة تعجيزية ، ولكني كنت اجاوب بما تيسر لي من معلومة ، كنت احس بوجودي بجانبها ، كإمام مسجد ، او واعظ كنسي ، او استاذ مدرسة ، او دكتور جامعي ، احسسها بامان الله وعدله ……
منذ ان ظهر هذا الجهاز اللعين ، لم اعد احس بوجودها ، ولم تعد تسألني ، تُسمّر عيونها عليه طوال اليوم ، فقط حل مكاني محرك البحث ( غوغل ) عديم الاحساس ، يجاوب عني في كل سؤال ، وسلخ منها كل احساس بأبوتي ، لم تعد تسألني عن شي ولو عن مقادير الملح في الطعام ، او عن كمية السكر في قالب الكاتو …
سلخ مني علاقاتنا الانسانية بين ليلة وضحاها ، وحولني من انسان الى آلة او حصّالة نقود فقط تدخل اليها دون الرمز السري وكلما احتاجت الى المال …
هل هذه النهاية فقط ام يأتي يوم يُلقح الطفل عند ولادته بلقاح يغنيه عن حليب امه ، والنوم على صدرها ، وينتزع منه شعور اللجوء الى الاب وحمايته وعدم الحاجة الى النظر في وجهه ، وحب الاخ ، وغيرة الاخت ، وعطف الجد وحنان الجدة …….
اخاف من نهاية ي في مأوى عجزة ، او في زاوية غرفة من غرف البيت ، ملقاً على سريرٍ تلبي طلباتي اثيوبية بتحضير فنجان القهوة او كوب من الشاي ، وتذكرني بموعد جرعات الدواء ، بين منشٍط القلب ، وخافض الدهن ، ومنظم الضغط ، ثم اغفو لا اراديا ، وانا اقلب في القنوات بين نشرات الاخبار ، والمسلسلات التاريخية ، واصبح وامسي مثل الجماد يقطع الايام بأنتظار الموت ….
(علي شاهين)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق