اقلام حرة

العزلة أسلم.

تحتار بأمرك ما عدت تتفق بالافكار مع احد،كل أحدٍ صار خبيراً لا يعبّر عن رأيه إنما يحاول إقناعك به فإن لم تقتنع فأنت إستفزازي لا تبحث الا عن إغضابه،تصطدم مع الآخر بسهولة حتى ان البعض يحقد لانّك ذكّرته بما قاله سابقاً واظهرت الايام خطئه.

هنا الجميع على صواب.

هنا الجميع يعلمون و لا يخطؤون،هنا كلام الجميع آيات منزّلة و وحي سياسي واجتماعي وتوقعات إلى حدّ التنبؤ. 

الانسحاب من كل الساحات اسلم،العزلة ضرورة،كثرت الاشتباكات مع الجميع،انت متوتر لا تحتمل الصبر والآخرين متوترين لا صبر لهم عليك.

كان يعلم تماما ماذا يفعل الذي قال:

“لن تستطيع معي صبراً عندما قتل الغلام”

ظاهرة الرجل التافه تمتدّ وتنتشر.

نجده في كل مكان حتى في مواقع الرئاسة والمهرّجين.

نتحوّل لتافهين من حيث لا ندري وأحيانا من حيث ندري.

وحدهم الحالمون لا يستيقظون ولا يريدون ان يوقظهم احد.

لا لذّة تتجاوز متعة احلام اليقظة ،يصرّ الجميع على أدوار البطولة و ما عاد هناك متّسع للابطال،المشهد يعجّ بالمميزين وبالمفكرين وبالسحرة وبالمنجّمين،المكان مزدحم بالعسكر وبالمختصين وبعلماء الدين والاجتماع والطبّ والتاريخ والجغرافيا وحتى الزراعة وعلوم الفلك والاسلحة والعملات لا بل حتى بأنواع الكحول.

صدق صاحبي عندما قال لي في معرض الكتاب العربي:

“هلمّ بنا نهرب وبسرعة فالمكان الواسع هنا يعجّ بالذين يعرفون ويعلمون ويفهمون”

العزلة اسلم،

الانسحاب بحدّ أدنى من خسائر الكرامة والكبرياء اسلم،

التقوقع اسلم،

الاختباء اسلم،

الاختفاء واحد من حلول مرجأة إلى حين.

كلما كان الميل للاختفاء أقوى كان احتمال الجنون أقوى.

الأفضل أن لا تقرأ وان لا تعلم كي لا تضطر ان تقدّم رأيك.

قبل أن تعتزل ،ان تختفي،إلجأ لآخر حيلة ربما تنقذك،ادخل واجمع ما لديك من كتب واحرقهم،إياك أن توزّعهم،لا تبث سمومك في الديار،لا تكن سبباً في قتل غيرك،دع الناس تنعم بجهلها وانقذ نفسك.

صحيح،احرق محرّك البحث في هاتفك،احرق كل “غوغل”لعين،لا تتابع البرامج الوثائقية،لا تقرأ جريدة إلكترونية.

لا تحشو رأسك بكلام فائض القوة والحقائق.

حالك لا ينقصها اشتباكات إنما جلسات سمر وغناء وفجور وعربدة. 

اقتل عشرات الأشخاص في رأسي كل يوم.

أُبدع بارتكاب المجازر مذ فقدت الاغواء والاغراء والشعور اني مرغوب في أمسيات الغرام.

ما ينقصك انت حفلات مجون وممارسة جماعية للجنس،

ما ينقصك انت تحقيق هواياتك الجنسية التي لم تستطع تحقيقها لألف سبب وسبب.

انت بحاجة لمن ترقص لك،

كاذب وانت تعلم ،

لا تدفن نفسك بذكريات و بأمور ما بعد الموت.

ما عاش القدماء طويلا الا لأنهم كانوا لا يقرؤون،الا لأن المرآة كانت مشاعاً واطفال القبيلة كانوا أطفال القوم جميعا. 

مذ شعر الإنسان بالغيرة وبحب التملّك مات.

“اخبرتك ان تستطيع معي صبراً” ،لا،بل كذّبت ،لا تصدّقني،حتى العودة للمجون ولمشاعية الجنس والمرأة وحتى الابتعاد عن الغيب لن ينقذوك.

لا شيء ينقذك،

العزلة اسلم،

الاختفاء آخر وسيلة للنجاة،

انج بنفسك واختف! 

اما زلتَ هنا!

اهرب!

#د_احمد_عياش

المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي موقع سانا نيوز شكرًا على المتابعة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق