اقلام حرة

الدستور العرضة للخرق يستحق الحرق

لم نعد بحاجة لأثبات ان التعديلات التي ادخلت على الدستور اللبناني بموجب وثيقة الطائف كان الهدف منها جعل الدولة دون مرجعية وخلق مرجعية بديلة عن الدولة من خارج النظام بحيث ان الدول التي تملك النفوذ الأقوى في الداخل اللبناني هي القادرة على فرض ارادتها بمعزل عن النصوص الدستورية بدليل اننا كلبنانيين لم نتلمس عورات هذا الدستور في ظل وجود سوريا كمرجعية ناظمة للحكم في لبنان بينما وبعد رفع يدها عنا دخلنا الى حلبة صراع بين القوى المتعددة الجنسيات انتهت بمعظمها بتسويات فرضتها موازين القوى وبحيث كانت شعارات التوافق تطغى على كل النصوص الدستورية مع الحفاظ شكلا على بند الميثاقية الذي أفرغ من جوهره والذي ساعد عليه هو تشرذم القوى المسيحية التي ما زالت تتجرع مرارة الهزيمة
فأختارت المهادنة والمساكنة على عكس التيار الوطني الحر الذي اراد احياء فكرة الدولة من خلال حوار مفتوح مع كافة القوى على قاعدة التوازن لا على مبدأ الغلبة للأقوى وهي المعادلة التي فرضها اتفاق الطائف مطالبا بتصحيح الخلل الذي اعترى هذه الوثيقة والتي تم توقيعها بظروف استثنائية
فاقدة لأهم اركانها الجوهرية وهي الأرادة الحرة لجميع اطرافها فكانت اشبه بتوقيع اتفاقية استسلام من طرف مهزوم لطرف منتصر وقد انطلق التيار في رؤيته من التجربة الفرنسية في دستور 1946 الذي قلص دور رئيس الجمهورية ونقل صلاحياته الى مجلس الوزراء والذي وضعته فرنسا بظرف استثنائي بعد خروجها من الحرب وهي بحالة انهاك مادي وتشرذم وطني
وقد كشفت التجربة فشل هذا الدستور بدليل انه لم يدم سوى فترة زمنية قصيرة عاشت خلالها فرنسا ازمات متلاحقة تأكدوا خلالها من اهمية الدور الفعال لرئاسة الدولة الذي اصبح منصب فخري لدرجة ان اول رئيس فرنسي في ظل هذا الدستور قال ان دوري هو كدور الملكة في انجلترا ولكن وبالرغم من ان نصوص دستور 1946 قد قيدت وقلصت صلاحية الرئيس الا ان الرئيس الفرنسي الأول مارس صلاحيات كاملة استنادا الى العرف متسلحا بشعار اذا لم اكن مسؤولا تجاه البرلمان فأني مسؤول تجاه الوطن بدليل انه وبالرغم من ان النص يوجب عليه تسمية رئيس الحكومة الذي يختاره النواب فأن الرئيس الفرنسي رفض هذا الأختيار اربع مرات عند تسميتهم بلافلن،ماير،سوستيل وديغول ما بين الاعوام 48 و58 فكانت النتيجة ظهور عوارض الموت على هالجمهورية الرابعة منذ ولادتها فلم تعش سوى 12 عاما شهدت خلالها تأليف 24 حكومة اي بمعدل حكومتين بالسنة مما يترجم حجم النزاعات السياسية التي خلفها غياب رأس فاعل للدولة وهو ما دفع الفرنسيين الى المسارعة في تعديل نظامهم السياسي الولاد للأزمات اما في لبنان فأننا كنا نخفي عورات هذا الدستور الأعرج بعكازة القوى الخارجية التي كانت تطبق احكامها السلطوية من خارج مواد الدستور بدليل اننا نعيش منذ العام 2005 ازمات سياسية متلاحقة وفراغات في السلطة لا يتم ملئها الاعبر قوى خارجية تفرض على اللبنانيين حلولا قصرية
تتلائم مع مصالحها حاملة بيدها فزاعة الحرب الأهلية والمقاطعة السياسية والأقتصادية وهو ما شهدناه مؤخرا من خلال الموقف السعودي العلني من تحريم وتجريم المس بأتفاق الطائف وكأنه دستور لأمارة سعودية لا دستور لبناني من حق القوى السياسية اللبنانية تعديله وسد ثغراته التي اوصلت لبنان الى هذه المرحلة المترهلة بسبب نظام فرانكشتايني متعدد الرؤوس ومحاولة الاستفادة من التجربة الفرنسية التي اعادت صلاحيات رئيس الجمهورية فأنتظمت معها العملية السياسية لأنه في غياب هذه الصلاحيات سيبقى النظام بدون رأس وتبقى الحاجة قائمة للبحث عن مرجعية في خارج الحكم لأيجاد
حلول تساعد على سد الثقوب في سفينة الوطن قبل غرقها بحمولتها مع ان المقارنة مع الفرنسيين غير جائزة بالمطلق لعدم وجود نظام طائفي يحدد دور كل طائفة في نظام الحكم وبالتالي فأن الواقع اللبناني اصعب في حال ادت الممارسة الى احساس طائفة وازنة بالغبن والافتئات على صلاحياتها وهو ما نراه اليوم من مجموعة قوى سياسية أتحدت على ايصال لبنان الى مرحلة الفراغ والفوضى الدستورية وهو ما كان عبر عنه العميد الدكتور مخايل سمعان بالقول في النظام البرلماني اما دور فاعل لرأس الحكم واما الفوضى الدستورية وهو ما نشهده اليوم من خلال تأويل المواد الدستورية تحت ذرائع مختلفة فاذا كانت المادة 49 تنص على ان الرئيس يسهر على احترام الدستور فمن يقوم بهذا الدور في حالة غيابه كما نحن الأن وكيف يقسم على تطبيقه في حين انه بحاجة لجهة اخرى لتفسير مواده كما حصل مع الرئيس عون وعن اي دستور نتحدث اذا كانت قوى سياسية تفرض ارادتها بقوة الأمر الواقع وتخلق حالة ضرورة تبيح لنفسها من خلالها
خرق الدستور ومواده الواضحة وبالتالي فأن الدستور المعرض للخرق يستحق الحرق وذر رماده فوق مقابر الشهداء الذين قدموا حياتهم وهم يحلمون ببناء وطن سيد حر مستقل لا وطن يصبح فيه الشهداء شهود زور على نظام تتحكم فيه الرياض وغير قادر على تغيير نجيب او رياض
نظام يسمح لمن ساهموا بأيصال الوطن والمواطن الى قعر جهنم ان يلعبوا دور الاطباء ورجال الأطفاء الذين سيقدمون العلاج ويطفأون النيران
ولهذا فأني ارجو بأن تكون خطوة الدعوة الى عقد جلسة لمجلس الوزراء هي الطلقة التي ستصيب رأس هذا النظام الفاسد والفاشل فنشهد مع الاحتفالات بذكرى ولادة السيد المسيح ولادة نظام بديل عن هذا النظام الكسيح ذو الوجه القبيح الذي جعل وطننا جريح متشحطا بدمه على درب الجلجلة فأمطار الخير لا تأتي الا بعد عصف الريح .

المستشار قاسم حدرج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق