ينام المرء في خيمة بين الاشجار في غابة او في كهف في جبل صخري دون اي خوف او تردد و دون اي شك بالقدرات الدفاعية الى ان يموت والده ليبدأ بالحيطة وبالحذر و بالانتباه وباخذ مواقع دفاعية عند النوم كي لا يتعرض للغدر من اي كائن حيّ و عند موت الام لا يكتفي بالحيطة وبالحذر انما يقفل الابواب والنوافذ ولا ينام لوحده الا وبجانبه عصا او مسدس للدفاع عن نفسه عند اية مفاجأة ليلاً.
لم تتغير شروط الخارج الامنية ولم تتغيّر عوامل الاجرام الاجتماعية الخارجية انّما الذي تغيّر هو ازدياد الشعور بالخوف الداخلي وازدياد اللا إطمئنان واللا إستقرار والجبن المستجدّ للنفس.
تفتقد النفس كما تفتقد الروح كما يفتقد الطفل الساكن في القلب حرّاسه الحقيقيّان.
الذي تغيّر بالتحديد ان الاب والام كانا هنا،هناك على بعد آلاف الكيلومترات مما يجعل المرء يشعر بفائض القوة وبالثقة العارمة، ما يجعل المرء يشعر انه قادر على مواجهة كتيبة من جند الاعداء لوحده وان ينتصر وان يعود لقواعده سالما.
حضورهما ولو على بعد قارة يجعل المرء فارساً ومحارباً.
صحيح ،إما يزداد الخوف الداخلي بقوّة او يزداد المرء شراسة و وحشية وفظاظة مع الآخرين .
التحوّل حسب ماهية الشخصية الجوهرية فمن كان مسالما خاف ومن كان عدوانيا تجبّر.
لا فرق بين الجبن والخوف من الآخر وبين الشراسة والتجبّر فالمصدر واحد هو الشعور باليتم والشعور الوجوديّ ان المرء صار عرضة لخطر داهم و وشيك و ان لا احد سيكون الى جانبه.
لا يقتنع المرء ان الموت ليس هزيمة.
لا ثقةللمرء حتى بابنائه ان يصبروا عليه انما كان المرء على ثقة عالية ان الاهل سيكونون هنا الى جانبه مهما كانت الظروف قاسية جدّا فإن المرء يعلم انه قادر ان يعود الى منزل الوالدين ساعة يشاء وان يطرق الباب بقوة وان يجلس وان يطلب من والدته تحضير الطعام له وان يتمدد على اريكة والده المفضلة دون ان يتوقع احتجاجا ما حتى لو تمدّد وتذمّر فهو يعرف انّ الوالدين لن يغضبا و انهما سيخدمانه بابتسامة.
عند الوالدين يبقى المرء طفلا الى ان يموت والده اذ يتحوّل فجأة لرجل حقيقي اما اذا ماتت الام فإنّه يشعر انّه قد شاخ بسرعة قياسية ليس لسبب غير أنّه صار محروماً من كلمة:
“امي،ماما…”
كلمة سحرية لا ينتبه المرء لمضاعفاتها البيولوجية الا اذا حُرم منها.
بعد وفاة الاهل يشعر المرء
إن استيقظ ليلا ليدخل المرحاض ان المجرم يترصده خلف الباب وان الجنّ سيخرج عليه من سنبور المغسلة وان الاشباح سيظهرون له في العتمة وان وجوه اناس موتى سيعبسون له في المرآة او خلف زجاج النافذة فكيف ان ترافق ذلك مع برق و مع رعد ومع عواصف والام ليست هنا لترمي الغطاء عليه.
قبل ان يموت الوالد يرسل اشارات نجدة في كلامه الا ان المرء يتجاهلها بلاوعي لانّ خبر مرض الوالد او موته لا يناسبانه لانه مقتنع ان والده لا يموت.
قبل موت الام يسمع المرء عبارات توصيه بأخوته وببيته وبالحفاظ على الموّدة وعلى المساعدة قدر الامكان الا ان المرء لا يصدّق ان الام قادرة ان تغدره بموتها المفاجىء…
لم يعتد النرء ان تغدره امّه.
لا يعرف المرء مَن هما والديه فالمرء ينتبه لوالده بعد عمر الاربعين وما يكاد المسكين ينتبه له حتى يخبروه بنبأ موته و كذلك هو لا يستطيع ان يدرك اهمية حضور الام في حياته الا عند غيابها الحقيقي بعد موتها لينتبه كم كانت تملأ له فراغاته وكم كانت عبارات الوالدين وملاحظاتهما ونصائحهما صحيحة وصائبة.
يتعلم المرء دائما بعد فوات الاوان.
صدّقوني ولا تسألوني من نحن؟
نحن يا اصدقائي فوات الاوان مهما حرصنا ان لا يفوتنا وقت او زمن او عمر او ذكريات.
لسنا غير فوات الاوان…
والسلام عليكم و رحم الله اهلكم.
والله اعلم.
#د_احمد_عياش.