اقلام حرة

الأول من أيار .. عيد العمال العالمي

 

يحتفل العالم بشكل عام والطبقة العاملة الكادحة وجميع الكسبة والشغيلة بشكل خاص ،في الاول من ايار من كل عام ،بعيد العمال العالمي.

 في هذه المناسبة العظيمة ، اتقدم من جميع العمال وذوي الدخل المحدود بأسمى أيات التهنة ، مؤكدا” الثبات في نهج النضال الأجتماعي والسياسي الذي يوفر للعمال ولكل الكادحين والمنتجين افضل المناخات لحياة سعيدة، بعيدا” عن العوز والحاجة والتخلف والفتن الداخلية وكل اشكال الاستغلال والنهب والجشع والاحتكار والفساد….والعمل بكل الامكانيات المتاحة لتوفير الامن الغذائي و الاجتماعي وبالتالي الاقتصادي والسياسي لكل الشعوب، ومما يرعى حقوق هذه الشريحة الواسعة من بين شرائح المجتمع وطبقاته ، ويحافظ على المكتسبات التي حققتها عبر نضالها التاريخي، ولا تزال تكافح نحو مزيد من المكاسب المحقة .

  يأتي العيد هذا العام في ظل مناخات سياسية واقتصادية واجتماعية و بيئيةو صحية بالغة الخطورة. حيث تشهدمعظم الساحات ،على مختلف المستويات، أزمات حادة وخانقة ،في ظل غياب شب تامو لقوى وازنة وفاعلة وقادرة على لجم سياسات النهب والتجويع والهيمنة السائدة، والتصدي لهذه السياسات بالعمل اليومي وبانتظام لأقتلاع جذورها والقضاء عليها، واحداث تغيير حقيقي في بنى المجتمعات والنظم القائمة، مما يعود بالفائدة لأوسع شرائح المجتمع من عمال وفلاحين ومزارعين وكسبة وموظفين صغار ومعلمين وطلاب واصحاب مهن حره وغيرهم من الطبقات الشعبية وذوي الدخل المحدود.

  فعلى المستوى العالمي ، وبالرغم من بعض المتغيرات التي تحصل بين فترة و اخرى ، وفي اكثر من منطقة في العالم، وبالرغم من محاولات التصدي الجادة للهيمنة الأميركية والنظام العالمي الأحادي القائم ، وبالرغم من المعارك والحروب الدائرة في اكثر من مكان ، وكل طرف من اطراف الصراع يعلن انه يسعى من اجل التحرر والتقدم، وبالرغم من التكتلات التي تنشأ لتغيير وجهة النظام العالمي وقيام نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب…..الا انه لا زالت الولايات المتحدة الأميركية ، بما تمثل من أعتى قوة رأسمالية استعمارية في العصر الحديث ، وفي ظل سياسة العولمة والسيطرة التي تمارسها على مختلف شعوب العالم… ، وبالرغم من النكسات والخيبات التي تلحق بها وتتعرض لها سياساتها العدوانية في هذه المنطقة او تلك، وبالرغم من التراجع الملحوظ في قدراتها الاقتصادية ومعاناتها من المديونية ومن التحديات الضخمة التي تواجهها على المستويين الاقتصادي والمالي…..بالرغم من كل ذلك ، الا انها لا زالت تمارس كل اساليب الهيمنة والسيطرة والنهب المنظم لثروات الشعوب، والقتل والتشريد والتجويع والاعتقال والتعذيب الجماعي بأبشع صوره، والدعم، بشكل مباشر وعلني وغير مباشر، لكل الأنظمة الفاشية والرجعية والاستبدادية والنهابة في العالم، ضاربة بذلك في عرض الحائط كل الشعارات الفارغة التي تطرحها وتتغنى بها وكل القيم الأخلاقية والانسانية و شرائع حقوق الانسان التي تدعي نشرها وحمايتها. كما أنها ، بالتنسيق حينا، وبالتعليمات التي توجهها لعدد من الدول الحليفة لها حينا أخر، وفي ظل ضمور القيم الديمقراطية على المستوى العالمي وقصور وتراجع المنظومات الاحتجاجية الجادة والفاعلة….، في ظل هكذا اوضاع، بدأت تتراجع تدريجيا بعض المكتسبات التي حققتها جهود النقابات والطبقة الكادحة عبر نضالها الطويل المضني والتضحيات التي قدمتها لتحسين اوضاعها الاقتصاديه و الإجتماعية ، مما عمق الانقسام الطبقي وبات يهدد بانفجارات اجتماعية حادة ومخيفة قد تحصل في اكثر من موقع ….انفجارات،ان لم تطح بكثير من الانظمة الرأسمالية الاحتكارية المستبدة فانها ستشكل اداة ضغط عليها ودفعها لمراجعة سياساتها من جديد،والرضوخ امام تلك الاحتجاجات، واعطاء مزيد من التقديمات الاجتماعية والضمانات بمختلف اشكالها..

  وعلى المستوى الإقليمي، ففي الوقت الذي تتعرض فيه المنطقة لأبشع سياسة استعمارية جديدة تمارسها الولايات المتحدة الاميركية وحلفاؤها، في الاقتصاد والايديولوحيا وتعزيز الانقسامات العامودية والدفع نحو صراعات واقتتال داخلي قذر ومميت….وبالرغم من تصدي المقاومة بشتى انواعها واشكالها لهذه السياسات وتقديم التضحيات الجسام، وبالرغم من وجود واطلاق بعض حركات الاحتجاج الشعبية وبعض الانتفاضات التي حصلت والتي ساهمت باسقاط سلطات سياسية وبعض رموز هذه السلطات العفنة، هذه الاحتجاجات التي جاءت نتيجة احتقان متماد تسبب به القهر المتعدد الأشكال المفروض على شعوب المنطقة،وبشرت بامكانية ولادة واقع جديد مختلف الى حد ما عما هو قائم….

الا ان هذه الاحتجاجات عجزت عن القيام بالدور المطلوب منها وفشلت بتحقيق الكثير من الشعارات التي رفعتها واطلقتها خلال اندفاعاتها ، وذلك نتيجة :

أ_ غياب المشروع السياسي _ الفكري_ الاقتصادي_ الاجتماعي الموحد عند الأغلبية المطلقة من قوى الاحتجاج ومنظماتها.

ب_ ضعف القوى الوطنية والتقدمية وتفككها وميول بعضها للارتماء بأحضان قوى مشبوهه، وبالتالي عجزها عن قيادة هذا الحراك او تلك الانتفاضه والانتقال بهما من حالة ردة الفعل الى الفعل وتحويلها الى ثورات حقيقية تقلب مجمل الأوضاع .

ج_ غياب المركز العربي القومي التقدمي الوازن والقائد والقادر على احتضان الحركة التقدمية العربية وتوجيهها نحو الاهداف الوطنية والقومية الكبرى بدلا” من الالتهاء بقشور وقضايا لا تحدث تغييرا” حقيقيا”.

  بسبب هذا الفراغ، الذي خلفته العوامل المنوه عنها، انفتحت الساحات العربية على صراعات خارجية اقليمية ودولية وفوضى داخلية واقتتالات محلية بشعة ، سمحت بتدخلات خارجية من قبل عدة اطراف دولية ، على رأسها الولايات المتحدة الأميركية والحلف الأطلسي والكيان الصهيوني الغاصب ، مما سهل على الأنظمة القائمة وادواتها مصادرة هذه الانتفاضات وتلك الاحتجاجات ، او حرفها عن مسارها بما يخدم ،بوعي او بدون وعي، المشروع الغربي الذي يحاول جاهدا تجديد السيطرة عل المنطقة واخضاعها لسياسته ومصالحه .

وإمام هذا الفراغ الحاصل ،باتت المنطقة تشهد انقساما حادا بين محورين، محور ما يسمى ” الاعتدال” الذي يدفع بشكل او بأخر الى مساندة وفرض السياسات الاستعمارية والاطماع الغربية العدوانية على المنطقة بأسرها، ومحور ” الممانعة” الذي يحاول التصدي لهذه السياسات ويطلق مقاومات حققت المزيد من الانتصارات….. الا انه في كلتا الحالتين تغيب بشكل تام السياسات الاجتماعية _ الاقتصادية القادرة على لجم التدهور في مستويات المعيشة والهبوط المريع في متوسط دخل الفرد وانتشار ظواهر البطالة والهجرة والجوع والأمية والمرض والتسول المنظم ، رغم ان المنطقة تربض برمتها على مساحات واسعة غنية بالثروات بشتى انواعها والتي تجعل المنطقة ، اذا توفرت الارادة والمشروع والاليات والقيادة، من اغنى دول العالم واقواها على الاطلاق .

 لذلك، وبعد تضاعف التحديات الملقاة على عاتق قوى التحرر والنهضة والتقدم ، فقد أن الاوان للعمل لمواجهة هذه التحديات ، والتنيسق والتكامل والوحدة بين مختلف مكونات هذه القوى، بما ينسجم ويتطابق مع الحاجة والضرورة لمواجهة الواقع المزري الذي نعيشه والعمل على تجاوز هذا الواقع بكل الاليات والوسائل والتضحيات المتاحة الممكنة .

  وفي لبنان ، هذا البلد المأزوم تاريخيا” منذ نشاة كيانه السياسي المرتكز على بنى طائفية ، وبعد تفاقم الازمات وقصور، بل خيانة، المنظومات الحاكمة، بات لبنان بدون حياة سياسية بكل ما للكلمة من معان ودلالات .

وفي ظل غياب شبه تام للدولة ولمؤسساتها الدستورية وتدهور وانحلال الادارة العامة، وسيادة مرض الطائفية والمذهبية الخبيث والمميت ، حيث يكافأ القتلة والمجرمون على جرائمهم وينصبون زعماء وقادة و”قديسين” و” اولياء صالحين” ، مما يحول دون قيام الدولة واعادة بناء الوطن، وابقاء الناس ،كل الناس، عمال وفلاحين ومزارعين واصحاب مهن وتجار صغار وموظفين وعاطلين عن العمل وأطفال مشردين ونساء مغلوب على أمرهم ، وكل ذوي الحاجة… تبقى هذه الشريحة الواسعة التي تتجاوز التسعين بالمائة من اللبنانيين ….تتخبط دون ان تعرف المصير المظلم الذي يتوعدها ، وغير قادرة على مواجهة وكبح الأسعار المرتفعة بشكل جنوني لمعظم السلع والمواد الغذائية ، مما يفوق عشرات المرات القدرة الشرائية ، بعد انهيار منظم للرواتب وتدني سعر صرف العملة الوطنية، ناهيك عن حجم الكتلة البشرية، المتفاقمة والمتزايدة يوما بعد اخر ،من السوريين المهجرين من بيوتهم وارضهم الى لبنان ، بالأضافة الى الكتلة الفلسطينية المقيمة منذ الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين عام ١٩٤٨ ، وما لذلك من انعكاسات خطيرة على الاوضاع الاقتصادية والمالية والسكانية والتربوية والصحية والبيئية ،بالإضافة الى مخاطر التهديدات التي تطلق من هنا وهناك والشعارات والبرامج السياسية الخادعة المطروحة من قبل هذا الفريق او ذاك، والتي بمجملها تساهم في خلخلة الاوضاع والمزيد من التدهور والانهيارات وتدفع، بوعي او بدون وعي ،نحو الفوضى والاقتتال الداخلي، وهذا ما يخطط له الخارج وعملائه في الداخل، مما يهدد باندلاع حروب اهلية مجددا بكل قرفها وبشاعتها وتداعياتها ومخاطرها على مختلف المستويات، ويهدد البلد كله كيانا ومجتمعا ومؤسسات بالانحلال.

 

  أمام كل ذلك….وبهذه المناسبة النضالية التاريخية ، وبعد توجيه التحية والتبريك للعمال بعيدهم ، ندعوهم، هم وكل المناضلين والمكافحين والكادحين، الى مزيد من اليقظة والوعي والتلاحم والأقدام…فالمخاطر كبيرة وضخمة وخطيرة…والمهام الملقاة على عاتقكم وحدكم،لانكم انت شرفاء هذه الامة واصحاب المصلحة بالاستقرار والنهضة والتقدم، هذه المهام ايضا كبيرة وضخمة وتتطلب المزيد من الوحدة وتقديم الكثير من الوقت والتضحيات .

         اسد زين غندور

    في الاول من ايار ٢٠٢٣

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق