مقالات

القانون الوضعي الغربي يهتم بالمساواة ‏بينما يهتم الإسلام بتحقيق العدالة ،،،

القانون الوضعي الغربي يهتم بالمساواة
‏بينما يهتم الإسلام بتحقيق العدالة ،،،

عبدالعزيز بدر القطان

العبور من القانون الطبيعي إلى القا

إن فكرة الحرية تتجسد في القانون كون الإنسان يعيش في حياة معقدة متداخلة مع غيره من أفراد مجتمعه، وليس كفرد يعيش في حالته الطبيعية البدائية المتحررة من القيود.

لقد سبق للفيلسوف السويسري، جان جاك روسو، أن قال “لقد ولد الإنسان حراً، ولكنا نجده حيثما كان تأسره الأغلال”. هذه الحقيقة التي إعترف بها روسو هي أن الإنسان أيضاً لم يكن منعزلاً وحراً بهذا الشكل، بل كان دائماً عضواً في مجتمع تتوقف حريته على مدى التنظيم الإجتماعي دون التعدي على حريته؛ فالقانون يقيد حريته، لكن من دون إعتدائه على حياة الإنسان الآخر.

هذه الضوابط، تعتبر ضمان إستمرار الحرية. ففي العصور القديمة، كان التمييز وليس المساواة، وكانت الحرية لا تعدو كونها مجرد فكرة تدعو لضمان أمن الإنسان في البيئة التي يعيش فيها، وتمتعه ببقية الإمتيازات التي يخوله إياها كل من القانون والعرف، وذلك ضمن إطار ما يستطيع القانون أن يحققه له.

في مجتمعات العبودية والإقطاع، لم يكن الإنسان يتمتع بأية حماية، لا بقوة القانون أو العرف. أما في عصرنا، فلقد إرتبطت الحرية بالمساواة، وإحتلت الحرية مركز الصدارة وأصبح لها وظيفتها الكبرى في سلم القيم التي تعتبر المثاليات الفعالة في المجتمع الديمقراطي.

وإذا كانت غالبية الفقهاء من الوضعيين الذين إعتبروا أنه لا يوجد قاعدة ذات قيمة قانونية سوى القاعدة التي تضعها الدولة، فهذا ما يستدعي رفض القانون الطبيعي بصورة خاصة وحتى رفض الدين كقدرة لتنظيم الإرادات الفردية.

إذاً، الحريات الموجودة هي الحريات التي تكرسها النصوص القانونية ويكرسها الإجتهاد القضائي على أساس هذه النصوص وتتكفل الدول بتنفيذها. لكن ومع ذلك، فإن القانون الطبيعي يعاود ظهوره أحياناً حتى لدى الوضعيين وبخاصة تحت شكل نقد الحق القائم بالرجوع إلى مفاهيم أخلاقية؛ بالتالي، هناك من يعتبر أن القانون الوضعي معارضاً للدولة ذاتها وهو منحدر من الحق الطبيعي. هذا الحق تلاقى مع الثورة في إعلان حقوق الإنسان، حيث إستطاعت الثورة الفرنسية تحويل المفهوم الفلسفي والسياسي القائل بوجود حقوق طبيعية للإنسان، سابقة على وجود الدولة وأسمى منها وحتى من المجتمع والقانون.

المفهوم المتغير لـ “دولة القانون”

إن تحديد مفهوم دولة القانون يرتبط بتحديد ماهية الدولة وماهية القانون. وإذا كانت عبارة “دولة القانون” غالباً ما إستعلمت في معنى غامض وكمرادف لعبارة “حكم القانون” أي حكم المجتمع بالقانون والحق، فإن للقانون حسب المجتمعات مكانه الهام، وإن أهمية القاعدة القانونية تكمن في علاقتها الوثيقة بالحرية بصورة عامة. لكن مفاهيم القانون، كانت ولا تزال دائمة التغير. فمنذ القدم، عرف الفيلسوف اليوناني أرسطو القانون بأنه “العقل الذي لم تؤثر فيه الرغبة”، لكنه تحدث عن العدالة المطلقة التي تسمو على إرادة الفرد، وهي غير موجودة في أية حقبة خلت أو العصر الحديث.

فمهما تشابهت الأفكار الرواقية والدينية في القانون الطبيعي، تبقى هنالك فروقات دقيقة وبعيدة المدى، إذ تنبثق تلك الفروقات من نظرتين مختلفتين في الحياة، حيث لا يزال الباحثون يشيرون، على مختلف مشاربهم، إلى آراء القدماء من متدينين وغيرهم في موضوع الحقوق الطبيعية والقانون الطبيعي، الذي إنتقل إلى تعاليم فلاسفة الحقوق الطبيعية في القرنين السابع والثامن عشر. بهذا الصدد، إعتبر الفيلسوف الإنجليزي، جون لوك، وأتباعه أن “القانون الأسمى هو القانون الذي حكم الناس وقادهم في حالته الطبيعية التي سبقت نشأة الحكومات، وهو على هذا الأساس يتضمن الحقوق الأساسية التي للناس جميعاً بحكم نظام الطبيعة. وعندما تتكون الحكومات، لا تنتقل هذه الحقوق الجوهرية لحياة الإنسان بوصفه مخلوقاً عاقلاً بل تبقى كقيود آلية على تصرفات الحكام.”

إذاً، هذه النظريات هي التي قامت عليها إعلانات حقوق الإنسان في أمريكا وفرنسا ولائحة الحقوق الإنكليزية وما زالت المحاكم تشير إليها وتبرز بصورة خاصة في أحكام المحكمة العليا في الولايات المتحدة بإعتراضها على قوانين الكونغرس أو تشريعات الولايات على إعتبار أنها تتعارض مع مبدأ أساسي من مبادئ الحق والعدالة.

وهكذا، لاحظ عدد من الباحثين مضمون الفلسفة السياسية التي تستند إلى مدلول معين للفرد والمجتمع والعلاقة المتبادلة بينهما، والتي تستخلص من قراءة إعلانات حقوق الإنسان. وإذا كان بعض الفقهاء قد وجد مجالاً واسعاً لإنتقاد تعريف الدولة بتحديدها بالقانون الذي تضعه، فإن الرد على ذلك كان بأن الدولة لا يمكن أن تقيد قانونياً إلا بإرادتها الخاصة.

أخيراً، إن الرأي السائد والذي يؤكد عليه أكثر الفقهاء، أن دولة القانون في مفهومها الحديث هي عبارة عن وضع ينشأ عن تطبيق قواعد ومبادئ القانون العام بفروعه الثلاثة، الدستوري والإداري والدولي العام؛ بالتالي، إن حقوق الإنسان والحريات العامة هي الحريات التي تقبل الدولة بوجودها، والحقوق المحمية هي الحقوق المعرَّفة بالقانون، أي من قبل الدولة ذاتها.

*كاتب ومفكر – الكويت.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق