مقالات

توظيف المقاصد في فهم القرآن الكريم

 إن علم وجوه القرآن من أهم العلوم المرتبطة بكتاب الله تعالى، هذا العلم عظيم الأثر، فهو المصدر الشرعي الأول، ولمعرفة كل العلوم الشرعية يجب دراسة القرآن الكريم بكل الوسائل حتى تتبين المقاصد الشرعية.

البداية مع نزول القرآن الكريم على سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وآله وسلم، قال تبارك وتعالى: (يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراطٍ مستقيم)، هذا الكتاب العظيم اشتمل على كل مقاصد الشريعة الإسلامية، من العبادات إلى المعاملات لتحقيق مصالح كل العباد، فكانت الآيات القرآنية بمعانيها شاملة للحياة الإنسانية الضرورية والتطويرية.

في الآية الكريمة: (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما)، لا بد من التنبه إلى أن التفسير المقاصدي للآية الكريمة هذه أو غيرها من الآيات قد يشتمل على أكثر من حكم شرعي، فمثلاً في الآية المذكورة تبين أحد ركني ما اسمه في زمننا الحاضر “الاقتصاد”، وهو المعنى العام لمسألة كسب المال وصرفه بحسب الحاجة إلى ذلك، ليكون الاقتصاد عمل مزدوج لا يتحقق إلا بالكسب والإنفاق، أيضاً لدينا مسألة معروفة لكن نكررها للفائدة، وهي أن اللغة العربية ضرورية في فهم معاني القرآن الكريم ومقاصده، لأن الوحي نزل بها، ولابن منظور في “لسان العرب” في بيان معاني “القصد” وأنها تأتي في اللغة على عدة معانٍ، منها استقامة الطريق والعدل والتوسط والاعتماد وإتيان الشيء والتوجه وعدم الإفراط وغير ذلك.

ابن منظور: (‏أديب ومؤرّخ وعالم في الفقه الإسلامي واللغة العربية. من أشهر مؤلّفاته معجم لسان العرب ، هو محمد بن مكرم بن علي أبو الفضل جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعي الأفريقي).

وكان هناك شروحاً أيضاً لابن جني الذي جعل الاعتزام والتوجه هو الأصل في معنى القصد الذي يتناسب ومعناه اصطلاحياً، إذ فيه إتيان الشيء والأم والتوجه وكلها تدور حول إرادة الشيء والعزم عليه، وأيضاً مقاصد الشريعة الإسلامية فيها الاستقامة والطريق القويم والعدل والتوسط، والمعنى المستخدم لغوياً للمقاصد هو التوجه والعزم والنهود وهو الكلام المستعمل لدى كلام الفقهاء والأصوليين مثل قولهم: (المقاصد تغير أحكام التصرفات)، و(المقاصد معتبرة في التصرفات).

ابن جنّي: (أبو الفتح عثمان بن جني المشهور بـ “ابن جنّي” عالم نحوي كبير، ولد بالموصل عام 322 هـ، ونشأ وتعلم النحو فيها على يد أحمد بن محمد الموصلي الأخفش ويذكر ابن خلكان أن ابن جني قرأ الأدب في صباه على يد أبي علي الفارسي حيث توثقت الصلات بينهما، حتى نبغ ابن جني بسبب صحبته).

وبالتالي إن المقاصد الشريعة هي الحِكَم التي راعاها الشارع في تشريعه للأحكام، وذلك لتحقيق مصالح عباده في الدنيا والآخرة، فمثلاً مقاصد الشرع هي ذاتها مقاصد الشريعة، فمصطلحات العلة والعلل، والحكمة والمصلحة، والمعنى والمغزى ومراد الشرع وأسرار الشريعة، استعملت وما تزال تستعمل للتعبير عن مقاصد الشريعة وما يندرج فيها.

أخيراً، إن التفسير المقاصدي للقرآن الكريم هو بيان المعنى المراد من الخطاب القرآني وتوسيع دلالاته وترجيح الأقوال التفسيرية المتعارضة، بناءً على الغايات التي نزل القرآن الكريم لأجلها، لكن هذا الأمر أيضاً يحتاج إلى عامل مهم نستطيع تسميته بالضابط وذلك لضمان تطبيق التفسير المقاصدي بشكله الصحيح، أي مراعاة المفسر أثناء تفسيره لآيات القرآن الكريم، قواعد التفسير الأخرى وهي المأثور واللغة والسياق، وذلك لقطع الطريق على المنحرفين غير الملتزمين بضوابط التفسير التي تتذرع بالمقاصد في فهمها للقرآن الكريم، وبالتالي هذا الضابط ضروري للكل مفسر فلا بد من استحضاره والالتزام في فهمه وتفسيره لآيات القرآن الكريم.

استكمالاً لتبيان التفسير المقاصدي، سنتوجه في المقال اللاحق حول العلاقة بين علم التفسير وعلم المقاصد بعونه تعالى.

بقلم الاستاذ عبد العزيز بدر القطان

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق