اقلام حرةمقالات

كيف يتحكّم المستعمر بالمجتمعات؟ لبنان نموذجًا… والعالم مسرحًا واسعًا لهذه اللعبة.

لا يدخل الاستعمار إلى بلدٍ من بوّابة واحدة. أحيانًا يأتي بجيوشه، وأحيانًا يأتي بأمواله، لكنه في أغلب الأحيان يدخل من بوّابة الوعي.

وهذا ما قصده تشومسكي حين قال إن الأكثرية تستهلك الأوهام أكثر مما تحيا على الحقائق.

في لبنان، كما في كثير من دول العالم، لم يكن المستعمر بحاجة إلى أن يبقى بجنوده كي يواصل نفوذه.

يكفيه أن يترك وراءه شبكة من المصالح، سردية جاهزة، وأحلامًا مصنوعة:

يبيع الفقراء وهم الازدهار…

يبيع المضطهدين وهم الحرية…

يبيع المهزومين حلم النصر…

ويبيع الضعفاء صورة القوة…

وبهذا يصبح الشعب غارقًا في مطاردة سرابٍ وضعه الآخرون أمامه.

فهنا حلم “الاستقرار” مرتبط بالخارج،

وهناك حلم “الإصلاح” معلّق بدعم دولي،

وفي مكان آخر حلم “النهضة” مشروط بولاءات سياسية واقتصادية ليست لصالح الناس.

يحدث هذا ليس في لبنان فقط، بل في معظم الدول التي خضعت لاستعمار مباشر أو غير مباشر.

العالم كله اليوم — من أميركا اللاتينية إلى إفريقيا إلى العالم العربي — يتحرك تحت ظل قوة كبرى لا تحتاج إلى احتلال الأرض طالما أنها تحتل العقول.

الخطر الحقيقي أن المستعمر لم يعد يظهر بزيّ عسكري.

يظهر اليوم على هيئة:

مؤسسة مالية دولية،

أو شركة عملاقة،

أو خطاب سياسي خادع،

أو تحالف عابر للحدود يتلاعب بمصير الدول.

المستعمر الحديث يريد شعوبًا غارقة في الحلم… لا غارقة في الوعي.

فشعبٌ يحلم بثروة قادمة، أو زعيم مُخلّص، أو دعم خارجي، هو شعب يمكن قيادته من بعيد.

ولهذا، فإن تحرّر لبنان — وتحرّر أي بلد في العالم — لا يبدأ فقط بمواجهة النفوذ السياسي أو الاقتصادي، بل يبدأ قبل ذلك بكثير:

بتحرير الخيال من قبضتهم.

بتعرية خطاب الوهم.

بفهم اللعبة العالمية التي تختبئ خلف الشعارات البراقة.

فالمستعمر يسقط حين يسقط الوهم.

والشعوب تنتصر حين تتوقف عن الركض خلف أحلام لم تصنعها هي… بل صُنعت لها.

خلود وتار قاسم

المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي الموقع، شكرا على المتابعة. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى