اقلام حرةمقالات

حين يرقص الشيطان طربًا… والإنسان يتفوّق عليه في الخراب..

في زماننا هذا، لم تَعُد الأفكار الخاطئة حكرًا على الأفراد فقط، بل تحوّلت إلى قوالب صلبة تلبّست بها الجماعات، فأعمتها عن رؤية الواقع، وقيّدت قدرتها على التمييز والتفكّر. هي ليست مجرد أخطاء، بل أشكال من الجمود العقلي والاجتماعي، يصعب زعزعتها دون أن نتكبد أثمانًا باهظة في التوازن النفسي والانسجام الجماعي.

من أخطر هذه القوالب، الصورة النمطية عن العنف الديني، التي تُختصر غالبًا باتهام الإسلام بأنه دين العنف والدم، بينما يُرفع غيره إلى مصاف الطهارة والسلام. وكأنّ الجريمة تُقاس باسم الدين لا بأفعال البشر. وكأنّ الشر يُنسب إلى عقيدة، لا إلى الظروف والتاريخ والسلطة والطمع.

تتكرر هذه الاتهامات في الإعلام، في التحليلات، وحتى على ألسنة مثقفين ومفكرين. ولا تنفع معها الحجج، ولا سرديات التاريخ المقارن، ولا الشهادات الحيّة عن التسامح والجمال في التجارب الدينية المختلفة. وكأننا أمام جدار من الجهل المغلف بثقافة مزيّفة تدّعي المعرفة والانفتاح.

لا يوجد دين يُولد عنيفًا، كما لا يوجد مذهب نقيّ بالفطرة من شهوة السيطرة. العنف ابنُ الواقع، يولد من رحم الظلم والقهر والسياسة والمصالح وأشدد على المصالح، كما ويتغذّى على الإيديولوجيا حين تُسلّح وتُقدّس. والشيطنة الانتقائية لأديان دون أخرى، ليست حلًا، بل وقودًا إضافيًا لإشعال المزيد من الكراهية والانقسام.

حقيقة أشعر أحيانًا وكأنّ الشياطين ترقص طربًا، لا لأن الإنسان تحرّر من قيودها، بل لأنه تفوّق عليها في فنون التدمير والخراب… ضدّ أخيه الإنسان، وضدّ بيئته، وكأنّنا دخلنا سباقًا عبثيًا نحو فنائنا الجماعي.

قال توماس هوبز: الإنسان ذئب لأخيه الإنسان، وقال نيتشه: منطق القوة هو الغالب. وبينهما نجد أنفسنا، نحاول أن نفهم، أن نتأمل، أن نُعيد تركيب المشهد الإنساني من جديد… فلا نجد عزاءً سوى في الإيمان بالله الواحد الأحد، الذي يسكب السكينة في قلوبنا، ويمنحنا الرجاء في وقت عزّ فيه الرجاء.

كثيرون هم من يستغلون الدين، يحوّرون النصوص، يزيّفون الوحي لخدمة أطماعهم. يستخدمون قداسة الكتب كذريعة، وكأنّ السماء فوضتهم لتنفيذ مشاريعهم الدنيوية. لكن الحقيقة ستظل كما هي: الدين بريء، والإنسان وحده من يختار أن يكون قاتلًا أو مُصلحًا.

فلنترك الدين في عليائه، وننزل إلى أرض الواقع لنغيّر ما بأنفسنا… “فـ إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم.”

خلود وتار قاسم 

المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي الموقع، شكرا على المتابعة. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى