اقلام حرةمقالات

ذرائع تستغلها إسرائيل لقتل الشيعة وتهجيرهم

بقلم: ناجي علي أمهز

حين سأل الإعلامي عماد مرمل الشيخ نعيم قاسم عن التعافي، خفَض سماحته صوته، وأمال وجهه يمنة ويسارًا، كمن يحمل في نبرته جرحًا عميقًا، ثم قال بهدوء الموجوع: “نتعافى بالقدر الممكن”.

إن هذه الصورة الهادئة والحكيمة هي التي تحمي الطائفة الشيعية وتخفف عنها، لا استعراضات القوة والتهديدات الصاخبة التي لا تهدف إلا للظهور الإعلامي. اليوم، وفي ظل القرار الوطني السيادي بمواجهة إسرائيل، لا بد من قراءة المشهد بتمعن. وكما أعلن الشيخ نعيم قاسم منذ البداية، تقف الطائفة خلف الدولة، شريكًا لا خصمًا، وركنًا من أركان الوطن.

لكن لنكن صريحين، يعيش الشيعة اليوم لحظة وجودية قاسية لم يمروا بمثلها من قبل. قد ينجو البعض، لكن الطائفة بأكملها تقف على حافة الهاوية: تُقتل يوميًا، وتُقصف منازلها، ويُهجَّر أبناؤها، وتُشوَّه صورتها، ويُمحى تاريخها الذي صانها عبر قرون من الاضطهاد.

السؤال ليس “من يقتل الشيعة؟”، فالقاتل معروف للجميع، ولكن السؤال الأهم يظل: من الذي يمنح هذا القاتل الذريعة؟ خاصة في ظل اختلال واضح في موازين القوى. إن كل تصريح متشنج، وكل تهديد على الشاشات، وكل بوق يتحدث باسم “المقاومة” وهو يجهل معنى الحكمة، يضع حياة الشيعة ومستقبلهم على المحك.

ذرائع مجانية للعدو:

1. حين يُقال أمام الإعلام “سأقتل الإسرائيلي”، فأنت تمنحه المبرر الأخلاقي والقانوني أمام العالم ليقتلك.

2. عندما تصرخ بأن “الشيعة قادرون على هزيمة إسرائيل بساعات”—وهو كلام أقرب إلى الجنون—فأنت تمنح حكومة نتنياهو العذر لتواصل قصفها، بدعم من رأي عام دولي وإسرائيلي يراك تهديدًا وجوديًا يجب سحقه، سواء كنت مسلحًا أم لا.

3. أما مقولة إن “المقاومة استعادت عافيتها، واشترت صواريخ من فصائل سورية وهي جاهزة لقصف إسرائيل”، فأنت لا تعلن عن قوة، بل تمنح إسرائيل الذريعة لتحويل كل مبنى ضخم في مناطق الشيعة إلى هدف عسكري مشروع تحت ذريعة أنه “مخزن صواريخ محصن”. أنت تعطي عنوان المنطقة التي ستقصف، والقرية التي ستحترق، والشيعي الذي سيموت.

4. وعندما تدّعي أن “المقاومة قادرة على تحرير الجنوب في ساعات”، فأنت تعلن صراحة عدم الالتزام بالقرار 1701، وتؤكد وجود مسلحين في مناطق يُفترض أنها منزوعة السلاح والمقاومة خارجها، وبهذا يتحول كل لبناني تقتله إسرائيل في تلك المناطق من “مدني” إلى “مقاوم” في نظر القانون الدولي والرأي العام العالمي.

5. ثم تأتي العبارة الأخطر: “لن نسلّم سلاحنا، ومن يقترب منه…”، بهذه الجملة تُحرج الدولة اللبنانية، وتضع الطائفة في مواجهة مباشرة مع المجتمع الدولي، وتمنح إسرائيل وأمريكا الذريعة للاستمرار في عدوانها تحت حجة “نزع سلاح الميليشيات” وبالقوة.

هذه الذرائع التي تقدمها بعض الأصوات يوميًا هي التي تجعل لبنان وحلفاءه عاجزين عن لجم العدوان الإسرائيلي. ويكفي أن نراجع خطاب بعض الإعلام الشيعي على مدى العقد الماضي لنعرف أن ما يحدث اليوم هو نتيجة طبيعية لجنون إعلامي، لا دين له ولا عقل:

• جنونٌ أدى إلى كراهية مليار مسلم للشيعة حين أُثيرت قضايا مثل “جهاد النكاح”.

• جنونٌ وصف أهل إدلب بـ”النفايات”.

• وجنونٌ صوّر البراميل المتفجرة وهي تسقط على الأطفال، بينما كان ناقل الخبر يبتسم ويتوعد بالمزيد.

فإن كان الشيعة قد نسوا هذه التصرفات، فإن ضحاياها لم ينسوها، وكما يقول المثل: “من يتلقى الضرب ليس كمن يعدّه”.

أي عقل هذا؟ وأي إعلام يحوّل طائفة من “مقاومة” إلى “متهمة”، ومن “حامية للوطن” إلى “محاصَرة”؟ وفي هذا التوقيت الحساس، ما الذي يستفيده الشيعة من التطاول على شخصيات مثل الرئيس بشير الجميل وغيره، في وقت هم بأمس الحاجة فيه إلى الوحدة مع باقي المكونات اللبنانية؟

عندما تهاجم الأبواق الشيعية القيادات المسيحية، مدعية أنها ترد على “تحريضهم”، فإنها تنسى أن المسيحيين طوال 15 عامًا من الهيمنة السورية كانوا يتعرضون يوميًا لأبشع أنواع الشتائم والاعتقالات والاغتيالات، ومع ذلك كانوا يتجنبون الرد المباشر أو حتى ذكر كلمة “سوريا”. كانوا يسعون للتواصل بهدوء مع لبنانيين خلف الكواليس لتخفيف الضغط عن طائفتهم. حتى في مسرحياتهم الساخرة، كانوا يقولون يشيرون الى سوريا بكلمة “سويسرا”. لم يفعلوا ذلك جبنًا، بل عقلانيةً، وها هم اليوم يستعيدون دورهم ومكانتهم. فالعاقل لا يصرخ في وجه النار، بل يطفئها بهدوء.

أما الحجة القائلة بأن هذه التهديدات تهدف إلى “تخويف إسرائيل”، فقد أثبت الواقع فشلها. لقد توهم بعض “المنفوخين” سابقا (غير المنفوخين الجدد) أن المبالغة في الخطاب ستردع إسرائيل، ونسوا أنه في ذروة قوة المحور وسطوة سوريا، عندما كان السيد نصر الله في أوج شعبيته العربية والإسلامية، وقع عدوان تموز 2006. فكيف هو الحال اليوم، والطائفة منهكة، والانقسام الداخلي على أشده، والغضب العربي والدولي يحيط بها؟

يقولون: “نحن نشدّ العصب الشيعي”. إن شد العصب لا يكون بالجنون على الشاشات، بل في الصالونات والبيوت، وفي لقاءات الرجال الذين يعرفون متى يتكلمون ومتى يصمتون.

اسرائيل تختلق الذرائع لتدمر لبنان وسوريا، فكم هي سعيدة وهناك من يعطيها كل يوم الف سبب وذريعة، خاصة عندما تعلن هذه الابواق “بان سكان الشمال في اسرائيل لن يعودوا الى مستوطناتهم”، هذه الذريعة تدفع ثمنها حكومة نتنياهو ملايين الدولارات لانها تكرس بقائها، وتعطيها الحق بتهجير اهالي الجنوب كي يعودوا سكان الشمال المرعوبين الخائفين “يا ويلاه من تهديد الابواق”.

 لهذه الأسباب، تُقتَل الطائفة الشيعية كل يوم، بينما يقف العالم متفرجًا. لهذه الأسباب، تضغط أمريكا، ويبرر حلفاء إسرائيل عدوانها، ويصمت المجتمع الدولي، وتقف منظمات حقوق الإنسان عاجزة عن التضامن.

إن هذا الإعلام هو الذي يبرر عزل وقتل الشيعة تهجيرهم.

المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي الموقع، شكرا على المتابعة. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى