اقلام حرة

لبنان بين براثن الشيطان:

 لم تعد الحروب العسكرية وحدها هي اداة لتدمير الشعوب وتغيير الأنظمة بل اصبح هناك اسلحة اشد فتكا وتدميرا ونتائجها مضمونة عكس الحروب العسكرية التي تولد مقاومة ولا اعني بذلك الأسلحة البيولوجية او الجرثومية بل سلاح لا يقاوم ولا يقاوم بل يستسلم اراديا ويتحول من يصاب به الى سلاح جديد يفتك بمن حوله وصولا الى مرحلة التدمير الذاتي وبحيث يتحول المجتمع المتماسك الذي تربطه ببعض علاقات المواطنة والجيرة والصداقة والأخوة والتاريخ والقيم والعادات المشتركة الى مجتمع متنافر متضاد متحارب محكوم بعقدة الخوف والنقص والكراهية للأخر
هذا السلاح هو سلاح الأعلام المبرمج الذي يواكب ويرصد الظواهر الأجتماعية فيعمل على تكبير ما يصلح للفتنة ويتغاضى عن كل ما هو ايجابي بل ويضعه ايضا في اطار المهادنة التحضيرية لضربة أكبر ويقوم بتحويل الأزمات والكوارث جنسيات وهويات وطائفة ومذهب لتزكية الصراعات وحفر الخنادق من الجراحات وصناعة المتاريس من المعاناة وهذا ما يسمى بأبادة المجتمع وهو التعبير الذي استخدمه لأول مرة الكاتب كيت داوت في كتابه فهم الشر وللأسف الشديد بدأنا نرصد هذه الظواهر كافة
في مجتمعنا اللبناني حيث تزداد الشروخ المجتمعية يوميا بين مختلف مكوناته تغذيها الأزمات المتلاحقة التي تطارد الجميع يوميا
فأصبحت أزمة الكهرباء هي مسؤولية التيار الوطني الحر وارتفاع سعر الصرف الدولار مسؤولية الأوليغارشية مجتمعة والأزمة القضائية يتحمل مسؤوليتها الثنائي الشيعي الذي يتهم القضاء بالتبعية للولايات المتحد الأميرية والتوتير الأمني مسؤولية القوات وانفجار المرفأ اصبحت ديانته مسيحية ومسؤوليته يتحملها المسلمين وأحداث الطيونة هي هجوم اسلامي على منطقة مسيحية والمقاومة اصبحت جنسيتها ايرانية وكذلك كل من ينتقد الاداء السعودي منح الجنسية الأيرانية في الوقت الذي أعلن فيه رئيس الحكومة عن مذهب حكومته بقوله ان قبلتي السياسية هي السعودية اما الجيش اللبناني فقد منح الجنسية الأميركية تدريبا وتسليحا وتوجيها وعلى المستوى الشعبي رأينا فئة من الناس تطالب فرنسا بأعادة انتداب لبنان واخرون رفعوا العلم التركي وفريق يتمسك بعروبته الخليجية وأخرين يلتحفون العلم الأميركي
ويعتبرون التمرد عليه هو انتحار وبالتالي فكل هذه الأزمات المصطنعة التي يواجهها لبنان الهدف منها هو تفتيت هذه البنية المجتمعية وبحيث يقوم الأعلام الموجه بتوجيه بوصلة الأتهام في كل أزمة من الازمات بأتجاه فريق داخلي وأخفاء هوية الفاعل الحقيقي فتتحول المعركة بين الأطراف الداخليين باتهامات واتهامات مضادة وصلت الى حد مطالبة البعض بوصاية دولية وأخرين بفيدرالية طوائف ودخلت على قاموسنا عبارات جديدة مثل هؤلاء لا يشبهوننا بشيء و يمكن ان نتعايش معهم واعادة احياء عبارات مناطقنا ومناطقهم شوارعنا وشوارعهم وصولا الى حد نزع الجنسية عن اطراف لبنانيين والمطالبة بالقضاء عليهم او ترحيلهم
الى حيث جذورهم الدينية او المذهبية وأختفت كل شعارات الوطنية والعيش المشترك لتحل محلها وبقوة الشعارات العنصرية الطائفية
مما يشي بأننا قد وصلنا الى مرحلة شديدة الخطورة تهدد بشكل كبير وحدة هذا الكيان وتتطلب منا مجهودا مضاعفا في مواجهة هذه الهجمة الفكرية التي نجحت الى حد بعيد في تحقيق اهدافها
وان لا نترك لبنان بين براثن الشيطان وألا اصبح أمننا المجتمعي في خبر كان .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى