ماذا لو لم يصوّر المجرم جريمته ليبتزَّ إبنة الـ14 عاماً؟ هل كان هناك من سيصدق ضحية الاغتصاب؟
هما السؤالان الأكثر إلحاحاً اليوم، بعد انتشار مقطع فيديو صادم، نشرته صفحة “وينيه الدولة” في مواقع التواصل، ويظهر رجلاً يعنف فتاة قاصر تبلغ 14 عاماً من العمر، قبل أن يغتصبها.
وثق الرجل فعلته بالكاميرا، وتقول الرواية الأولية إن الفتاة استدرجتها امرأة سورية تُدعى مريم، الى شقة مهجورة في منطقة صبرا في بيروت، حيث أقدمت مريم على ضرب الفتاة وتعذيبها قبل أنّ يتمّ اغتصابها، فيما قام شخص ثالث موجود في الشقة بتصوير مختلف التفاصيل.
ولم يطل الأمر حتى أُعلن عن أن مديرية المخابرات في الجيش اللبناني، أوقفت مريم والمغتصِب والمصور، إثر مداهمة نفذتها اليوم.
والفيديو نشرته “وينيه الدولة” بشكل مموّه، منعاً لأن يتعرف أحد الى الضحية بشكل مباشر، لكنه أثار صدمة كبيرة، وذلك في ظل ارتفاع أعداد الاعتداءات الجنسية المبلغ عنها لتتخطى الـ14 حالة منذ مطلع العام.
لكن نشر الفيديو، ساهم في نقل الصدمة. هي الفائدة الوحيدة لتوثيق اعتداء، ما كان سيصل الى الناس، ولا سيتحول مضبطة اتهام لا تحمل أي لبس، ولا أصبح إخباراً للقضاء اللبناني والأجهزة الأمنية، لولا انتشاره.
ثمة ما هو أخطر من انتشار العنف، وهو الاعتقاد بأن مناصرة الضحايا لا تتم إلا إذا كان الجرم موثقاً. في حال التوثيق، حشد الفيديو الرأي العام بشكل قياسي، وحرك الأجهزة الأمنية بسرعة خيالية. وبينما أوفى انتشار الفيديو بالغرض، تمهيداً لسحبه من التداول، تصرف الناس بشكل مختلف مع الواقعة، إذ عمدوا الى نشر صور المعتدي، وذلك لإسقاط أي حصانة اجتماعية عنه. التشهير به، في هذه الحال، بعد توقيفه وشريكيه في الجريمة، هو الوسيلة الأنجع لردع أي شخص يفكر بالاغتصاب مرة أخرى، طالما أن العقوبة القصوى متعذرة في البلاد، وطالما أن العنف سيجد ما يبرره.
وفيما تحول الناشطون الى حشد ضاغط على الأمن، لم تصدر تصريحات سياسية، حتى بعد ساعات على انتشار الخبر. يسأل كثيرون عن موقف نواب ووزراء، لطالما أعلنوا استنفارهم على فيلم “باربي” أو على ظهور المثليين.. كما طُرحت أسئلة عن موقف المجموعات اللبنانية المحافظة التي تتحرك غبّ الطلب تحت شعارات “يا غيرة الدين”.
لا “غيرة للدين” في قضايا الاغتصاب، ولا مخاوف اجتماعية.. كذلك لا مخاوف من عنف على أساس الجندر، سواء أكان عنفاً ذكورياً، أو عنفاً ضد الذكور، على ندرته، كما هو حال قضية تسميم رجل في مدينة عاليه من قبل زوجته وتقطيعه بمساعدة شركائها. هذه المخاوف تتلاشى عندما يصل الأمر الى عنف حقيقي، يتجسد في استدراج طفلة، ثم اغتصابها، وتوثيق الاغتصاب بغرض الابتزاز.. ألا يستدعي ذلك تنبيهاً وتحذيراً وتحركاً وعصا غليظة لمنع هذا الشكل من العنف؟
الواقع أن العنف في البلاد على أساس الجندر، خاضع لاستنسابية ولمعايير، قد يكون بعضها مرتبطاً بهوية المُعتدَى عليها، أو بيئتها الاجتماعية، وربما يخضع لمزاجية متصلة بالظرف السياسي، وبالهوية السياسية، ما يجعل لبنان بعيداً من مناصرة الضعفاء من الضحايا. ذلك على جانب المؤسسات الدينية طبعاً، وعلى مستوى بعض المسؤولين السياسيين، وليس على مستوى الأجهزة الأمنية التي تتحرك وتقوم بواجبها، ولا على مستوى الناشطين الذين يعطون قضايا حقوق الإنسان أولوية.