
في لبنان، ثمّة موجة خطيرة لا تقلّ خطراً عن الحرب الإسرائيلية نفسها، بل ربما تفوقها في أثرها التدميري: إنها موجة “المحللين والسياسيين” الذين يملأون الشاشات يومياً بنبوءات عن حرب وشيكة.
كل صباح يطلّ علينا أحدهم ليقول: غداً الحرب!، وكأنهم يتلذذون بزرع الرعب في النفوس. هذا الخطاب اليومي لم يدمّر فقط معنويات الناس، بل أصاب الاقتصاد في مقتل، وسرق من اللبنانيين آخر ذرة أمل بأن الغد قد يكون أفضل. لقد شوّشوا الأجواء وأربكوا الحراك السياسي، حتى أصبح البلد يعيش على وقع الخوف والانتظار.
اليوم نرى نتائج هذا الضجيج بوضوح:
• كساد عقاري غير مسبوق، حيث انحدرت أسعار العقارات إلى مستويات متدنية “كأسعار التراب”.
• خسائر اقتصادية وبطالة جسيمة في البيئة الشيعية خصوصاً، إذ بات كثير من الناس يبيعون بيوتهم وعقاراتهم بأبخس الأثمان ويغلقون مؤسساتهم لمجرّد الهروب من مناطقهم.
• نزيف اجتماعي وديمغرافي خطير، حيث يهرع البعض إلى شراء منازل في دول تمنح الإقامات للمستثمرين، فقط ليضمنوا “ملجأ” في حال اندلعت الحرب.
لكن الحقيقة أن لا حرب قريبة على لبنان. بل على العكس، أرى أن الحلول باتت أقرب مما نتصور، والجميع – محلياً ودولياً – يدرك أن استقرار لبنان ضرورة وحاجة. حتى كلام توم باراك بالأمس عن أداء الحكومة اللبنانية، وأنها “تبيع الكلام لأميركا”، هو دليل صارخ على أن اللبنانيين رغم خلافاتهم يوحّدهم الحرص على بقاء وطنهم، وأن كل طرف يعمل بطريقته لتجاوز هذا الزلزال الذي ضرب المنطقة.
لذلك، على الجميع أن يتوقف عن التخوين المتبادل. فلو – لا سمح الله – ضاع لبنان، فلن يبقى لأيٍّ منّا مكان في هذا العالم، لأن قيمتنا الحقيقية هي بوجود وطننا.
إن المطلوب اليوم هو الهدوء والصمت، لا المزيد من النواح ولا التهويل، بل:
• حراك سياسي مسؤول يعيد الحيوية إلى المؤسسات.
• إحياء مجتمع نخبوي واعٍ قادر على فكفكة العقد السياسية والاجتماعية.
وفي النهاية، يبقى لبنان وطننا الوحيد، الشاهد على ميلادنا وأفراحنا وانتصاراتنا وحضورنا ودورنا الكبير في هذا العالم، والشاهد أيضاً على قبور أجدادنا الذين صمدوا في وجه المحن وناضلوا ليبقى هذا البلد جوهرة الشرق ودرّته.
المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي الموقع، شكرا على المتابعة.