
كم كان رائعاً وعظيماً ذلك المشهد، وأنت تشاهد وزير الدفاع الإيراني الأسبق الدكتور علي شمخاني، يفرح بابنته التي ظهرت بفستانها الأبيض، لا ترتدي الحجاب ولا النقاب، بل كملكة جمالٍ في أناقتها، والأنغام الفارسية تملأ المكان دفئاً وحياة.
كم كان جميلاً أن ترى المذهب الشيعي على حقيقته: مذهباً لا يفرض على أحدٍ شيئاً، حتى من هو في أعلى المراتب في الجمهورية الإسلامية، لا يفرض على ابنته قناعاته، ولا يخشى ما قد يُقال، لأنه يحترم حرية أفراد عائلته، كما يحترم كل مسؤولٍ في إيران حرية شعبه الذي ينتخب رئيسه وبرلمانه بإرادته.
هذه الدقائق القليلة من ذلك الفيديو، كشفت عظمة إيران التي أرادها البعض ظلاً باهتاً، فيما هي في حقيقتها دولةُ حياةٍ وكرامةٍ وحريّة.
لقد شوّهها الإعلام، حتى إعلام “محور المقاومة” الذي حصرها في صورةٍ واحدة، وغاب عنه أن لإيران وجهاً آخر، وجهاً مضيئاً بالحضارة والعمران، يفوق في جماله ما تراه في أوروبا، ويزداد بهاءً بكرم شعبها واستقبالها لضيوفها.
اليوم، ونحن نرى هذا المشهد، ندرك أن ما خفي عنّا كان أجمل.
فمن زفافٍ بسيطٍ في طهران، تفتّحت نافذة على الحقيقة.
إنها إيران التي لم نعرفها من قبل، إيران التي تصنع الحياة كما تصنع الصواريخ، وتزرع الجمال كما تبني القوة.
لقد كانت فرحتي بذلك الفيديو كفرح أبٍ بابنته.
شعرتُ أن البهجة تسلّلت إلى بيتي، وأن الأغنية الفارسية التي كانت تصدح في العرس، تسكن قلبي.
قلت في نفسي: “رحم الله الحقيقة، كم شوّهها إعلام محور المقاومة.”
ذلك الإعلام الذي جعل من الإيمان عبوساً، ومن المقاومة لوناً واحداً، ومن الفرح خصماً للثبات.
إعلامٌ نسي أن الحضارة لا تُقاس بعدد البنادق، بل بقدرة الإنسان على أن يحبّ ويحلم ويعيش.
لقد عرفنا عن إيران مصانعها العسكرية، ومستشاريها، وخطوطها الحمراء في السياسة.
لكننا لم نعرف عنها مسارحها وسينماها وروائييها، ولا عن موسيقاها التي تشبه الشعر، ولا عن حدائقها التي تفوح عطراً كأنها من جنان الفردوس.
اختصرها البعض في المراقد والطقوس، ونسوا أن في شيراز وحدها من الجمال ما يكفي ليُعيد تعريف الإيمان بأنه ليس ضدّ الفرح، بل نِتاجه الأسمى.
اليوم، حين بحثت عن إيران بطريقة مختلفة، اكتشفت بلداً يفوق الوصف:
طبيعةٌ فاتنة، مدنٌ متطوّرة، ضيافةٌ راقية، وأسعارٌ تُشعرك أنك في وطنٍ كريمٍ بأرضه وأهله.
وجدت أن إيران ليست “المعسكر المغلق” الذي روّجوا له، بل جنة الله على الأرض.
تساءلت:
كيف لإعلامٍ يقول إنه حليف لإيران أن يُغفل تعليم لغتها؟
أربعون عاماً من الدعم والتواصل، ولا واحد بالمئة من الشيعة في لبنان يتقنون الفارسية.
بينما فرنسا التي انتدبت لبنان ثلاثين سنة، تركت أكثر من نصف اللبنانيين يتكلمون لغتها بطلاقة!
هل يعقل أن دولةً بهذا العمق الحضاري، لم تُقدَّم إلينا إلا من زاوية البندقية والمحراب؟
لقد فشل إعلام المحور في أبسط واجباته: أن يُظهر الجمال في من يدافع عنهم.
بدلاً من أن يكون جسر تواصلٍ ثقافيّ وإنسانيّ، صار جداراً يفصل الناس عن الحقيقة.
لقد فشل هذا الاعلام بالتشجيع على الاستثمار الاقتصادي والسياحي والصناعي والتكامل مع ايران،
لقد فشل هذا الاعلام بان يجعل كل مواطن لبناني حلمه ان يتعلم او يعيش في طهران لان هذا الاعلام صور ايران انها فقط معسكر للحرب.
من يظنّ أن نشر ذلك الفيديو يسيء إلى إيران، فهو مخطئ.
فهو في الحقيقة أظهر للعالم أن الحرية الفردية مصانة فيها، وأنّ العقيدة لا تُفرَض بالإكراه، حتى داخل بيت رجلٍ في قمة السلطة.
أظهر أن في إيران توازناً راقياً بين الدين والإنسان، بين المبدأ والحياة.
لقد دمّر إعلام المحور صورة الشيعة أكثر مما دافع عنها، لأنه إعلامٌ هجين، يرفع الشعارات دون أن يقرأ الكتب، ويفتعل القداسة ليخفي جهله بالثقافة التي يدّعي حمايتها.
أما إيران، فهي أكبر من أن يُختزل وجهها في لونٍ واحد، أو أن تُختصر روحها بخطابٍ أيديولوجي.
إيران التي رأيناها في ذلك الزفاف، هي إيران الحقيقية: إيران الحرية والبهجة، الإيمان الواعي، والكرامة الهادئة.
فمن دقائق قليلة من الفرح، انكشفت أمتار من الحقيقة.
ومن صورةٍ أرادها البعض دليلاً على الانحراف، خرجت صورةٌ تُعيد إلى إيران ابتسامتها أمام العالم.
إيران التي تشبهنا حين نحلم، وتؤمن أن الإيمان لا يلغي الحياة… بل يُكمّلها.
المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي الموقع، شكرا على المتابعة.