
الخوف الذي نعيشه اليوم لا ينبع فقط من حجم الأزمات المتراكمة، بل من طريقة مقاربة الحكومة لها. ففي الوقت الذي تبدو فيه القرارات الحكومية جدية وصارمة في ظاهرها، يبقى هاجسنا الأكبر أن تكون هذه الصرامة مجرد واجهة لسياسات جباية جديدة، تثقل كاهل المواطن والمواطنة المنهكين أصلًا من أثقال الانهيار.
نخشى أن تتحول الضرائب مجددًا إلى وسيلة سهلة لتمويل العجز، بدل أن تكون أداة إصلاح حقيقي تعيد توزيع الثروة بعدالة. نخشى أن تُحصّل من جيوب الفقراء، وتصبّ في جيوب المافيات التي تتلطى خلف سياسيي المرحلة، والذين يواصلون بمنهجية دقيقة مصّ دم هذا الشعب.
لم تُدرك الحكومة بعد أن الإصلاح لا يُقاس بكمية ما تجبيه من ضرائب، بل بمدى ما توفره من مقومات حياة كريمة: من صحة وتعليم وعدالة وأجر يليق بالإنسان، ومن ماء نظيف وكهرباء غير مسروقة.
أليس الأولى أن تبدأ المعالجة من منابع الفساد لا من جيوب الناس؟
كما قال نعوم تشومسكي: “عندما يصبح المال هو الصوت الأعلى في المجتمع، تُخنق العدالة، ويُقصى الإنسان.”
وها نحن نعيش نتيجة هذا الخنق، حيث يعلو صوت الجباية على صوت الكرامة، وصوت السياسة على صوت الإنسان.
إن أخطر ما يمكن أن تفعله أي حكومة في لحظة انهيار كهذه، هو أن تُعيد تدوير الفساد بلباس الإصلاح. فحينها، لن تكون الضرائب علاجًا للأزمة، بل رصاصة جديدة في جسد وطنٍ يحتضر.
ولن ينهض هذا الوطن إلا حين تتحوّل الدولة من جابي ضرائب إلى راعٍ للإنسان.
صباحكم أمل بالرغم من الإحاطة المُربكة
خلود وتار قاسم
المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي الموقع، شكرا على المتابعة.