
ما هي سيناريوهات الشرق الأوسط للمرحلة القادمة؟.
د. زكريا حمودان.
خاص لـ سنا tv .
لم يطل إنتظار الرد الإيراني طو يلًا ولم يطل الرد الأمريكي الواضح في معالمه من قِبَل الرئيس الأمريكي في مؤتمر صُحفي واضح المعالم، أما اليوم فقد بات الأهم النظر إلى مستقبل المِنطقة بعد هذا الحدث الكبير وارتفاع زخم معركة ادلب.
طالما أننا نعيش في منطقة لا يمكن إختزالها في الإستراتيجيا السياسية أو العسكرية أو الجغرافيةـ لا بُدَّ وإيضاح الرؤية العامة لمستقبل المِنطقة من مختلف الجهات الجيوسياسية (الجغرافيا والسياسة) بالإضافة إلى إرتباطها بالمطامع الأساسية في المنطقة ألا وهي موارد الطاقة وما تحمله من صراعات متشعبة.
على المستوى السياسي، أثبت النظام الإيراني تماسكه داخليًا والإهتمام بإسقاطه هو لزوم ما لا يلزم، إنطلاقًا منه توجهت الولايات المتحدة الأمريكية إلى ضرب البعد الإستراتيجي للثورة الإسلامية من خلال ضرب إيران إقتصاديًا في كل مكان، ومن ثَمَّ ضربها عسكريًا في العراق بعد محاولة الإختراق التي أُسقِطت فيها الطائرة الأمريكية فوق الأراضي الإيرانية.
وفي العراق لا يزال القرار السياسي العراقي يميل إلى الدفة الإيرانية ويهادن الأمريكي الذي أثبت قدرته على تحريك الداخل العراقي الذي أسقط الحكومة التي إدعى الرئيس الأمريكي أنها كانت تدعم إيران في ظل الحصار الإقتصادي، مما يُثبت قدرته على تعطيل محركات السياسة في الداخل العراقي وإستمرار سياسته التي تُخضع العراق وموارده. هذا الأمر عطل مخطط العراق السياسي بالإرتباط إستراتيجيًا بعقوده مع الشرق وخاصة روسيا والصين ضمن صفقات تفوق ال500 مليار دولار.
أما في لبنان، فيُترجم المجلس النيابي شكل المنتصر في الداخل اللبناني، كما نيل الثقة لحكومة د. حسان دياب وخروج سعد الحريري من موقعه الرسمي في اللعبة الداخلية، مما يضع الداخل اللبناني كذلك ضمن الدفة التي تميل إلى الإيراني أكثر من الأمريكي.
وفي الكيان إلاسرائيلي حليفة الولايات المتحدة الأمريكية، كان لإيران نصيب في تشكيل أزمة سياسية داخلية من خلال دعم الفصائل الفلسطينية منذ ثمانينات القرن الماضي والتي أمطرت المستوطنات الإسرائيلية بالصواريخ التي خلطت الأوراق السياسية داخليًا لتقود إسرائيل نحو إنتخابات ثالثة على التوالي وفراغ حكومي إقترب من عامه الأول.
جميع هذه النقاط توضح قدرات إيران الجيو-سياسية في الإقليم خاصة في العراق المليئ بالنفط ولبنان المجاور لإسرائيل والمليئ بالغاز والمُطل على أوروبا والذي ما زال لقمة شهية لجميع دُوَل العالم.
أما على المستوى الجغرافي، فلا بُدَّ والنظر اليوم إلى الإمتداد الجغرافي للدور الإيراني مقابل الولايات المتحدة بحيث تتصل بيروت ببغداد جغرافيًا دون أن نتجاهل الغطاء الجوي الأمريكي الذي لا يمكن تجاهل قدراته على مراقبة أغلب ما يحدث إلى جانب القوى الدولية الأُخرى كالتحالف الدولي في العراق.
في لبنان، تمتلك إيران الجغرافيا اللبنانية بشكلٍ كامل، كما أنه يصعب كثيرًا خسارتها لها خاصة بعد نجاحها في دعم حزب الله الذي حرر الأراضي اللبنانية في العام 2000، وثبت دور لبنان في المعادلة منذ العام 2006.
أما في العراق، مازالت الولايات المتحدة الأمريكية تتمتع بنفوذ جغرافي يسمح لها أن تمتلك عددًا من المساحات لتضعها ضمن سيطرتها الإستراتيجية وأبعادها على مختلف الصُعُد، مما يعني أنَّ الجغرافيا العراقية الكبيرة والواسعة هي أكثر تعقيدًا على كلٍ من إيران والولايات المتحدة الأمريكية، مع وجود أفضلية لإيران التي تمتلك قرار عددٍ من القوى التي تعمل بدعم مباشر من الحرس الثوري الإيراني.
هذا الكباش الجيو-سياسي اليوم يضع المنطقة أما سيناريوهات متعددة قد يكون في بعض الحالات أحلاها مر لجميع الأطراف، ومن أهم هذه السيناريوهات:
1- خسارة الولايات المتحدة لجميع مكاسبها الإستراتيجية في الشرق الأوسط في حال قررت إقحام نفسها في صراع إستنزاف مع إيران، خاصة وأنَّ الأخيرة تُسيطر على جغرافيا تسمح لها بضرب المصالح الأمريكية في جميع دول غرب آسيا.
2- إستمرار الضغط الإقتصادي على إيران، الأمر الذي سيجعلها أكثر شراسة في الدفاع عن مصالحها وحقوقها في خرق الحصار الإقتصادي عبر دول لها فيها تحالفات سياسية وعسكرية مباشرة كلبنان والعراق وسوريا.
3- فتح حرب إستنزاف عسكري دموي مباشر أو غير مباشر بين الطرفين، الأمر الذي سيستدعي تعزيز القوات الأمريكية في العراق تحديدًا، وهو ما سيصتدم بالموقف العراقي الذي سيُصبح أمام مفترق طرق إقليمي، سيسمح له إما أن يلعب دور الوسيط بين الطرفين أو سيُجبره بأن يكون طرفًا مع فريقٍ من الآخر، وهو ما يُحرج حلفاء الولايات المتحدة في العراق، ولكن يُريح إيران التي لها أفضلية إستراتيجية تتقدم على الولايات المتحدة وتسمح لها أن تفرض دورها في العراق.
من المؤكد اليوم بأنَّ ما يحدث في الشرق الأوسط يؤسس لمرحلة جيوسياسية جديدة ستصل تبعاتها إلى العالم أجمع، وستُشكل لمرحلة عالمية جديدة فيها من رائحة البارود كما من رائحة المفاوضات والتنازلات الواسعة ما يجعل لكل خيارٍ حيثيته الأقرب إلى التطبيق.
الدكتور المهندس زكريا حمودان
باحث في الشأن الدولي
مدير الوطنية للدراسات والإحصاء.