
هل تطرح القيادة الفلسطينية حل الدولة الواحدة؟
بقلم المستشار/ أسامة سعد
عندما بدأت مفاوضات السلام بين طرفي الصراع الفلسطيني الصهيوني في مؤتمر مدريد للسلام عام 1991م، كان جل الحديث يدور عن خطوط الرابع من حزيران لعام 1967م، وأقول خطوط الرابع من حزيران وليس حدود الرابع من حزيران لأنه لا يوجد أي حدود كانت قبل أو بعد حزيران، وما يوجد في أروقة الأمم المتحدة هو قرار الجمعية العامة رقم 181 المعروف بقرار التقسيم الذي وافقت عليه الجمعية العامة سنة 1947م، وأعطت بموجبه ما مساحته حوالي 15 ألف كيلو متر لليهود وحوالي 11 ألف كيلو متر للفلسطينيين، وجعلت للقدس وبيت لحم والأماكن المقدسة وضعاً دولياً خاصاً، وقد فشلت الأسرة الدولية بفرض هذا الحل على “طرفي الصراع” بعد اندلاع حرب 1948م التي أسفرت عن النكبة الفلسطينية، وتمدد الصهاينة في الأرض ليسطروا على ما مساحته 75% تقريباً من أرض فلسطين، بعد أن قبلوا قرار التقسيم الذي أعطاهم من مساحته 57% من الأرض فقط، بل وبعد حرب 1948م رفضوا الاعتراف بوجود الشعب الفلسطيني ورفضوا أن يسلموا بأي حق له في الأرض التي عدوها أرض إسرائيل التي وعدهم الله بها، وتحول الحال بعد حوالي خمسين عاماً من رفض الفلسطينيين لتقسيم الأراض إلى مطالبة مستميته لجزء لا يتجاوز 22% منها، وقد بدأت مفاوضات مدريد بالمطالبة بالأرض التي كانت تحت سيطرت القوات الأردنية في الضفة الغربية والقوات المصرية في قطاع غزة والتي في مجموعها لا تتجاوز 22% كما ذكرنا استنادا إلى قرار مجلس الأمن رقم 242 الذي صدر عقب حرب حزيران 1967 الذي دعا إسرائيل للانسحاب إلى خطوط الرابع من حزيران، ومن أجل ذلك وافقت منظمة التحرير على الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود والعيش في حدود آمنة ونبذت “العنف” ضد الكيان الصهيوني. وفي المقابل وافقت إسرائيل فقط على اعتبار منظمة التحرير ممثلا للشعب الفلسطيني وسمي ذلك كذباً وزوراً بالاعتراف المتبادل.
الموقف الآن بعد 73 عاماً من قرار التقسيم أن رئيس وزراء حكومة العدو اليهودي المتطرف بينت يرفض حتى الاعتراف بوجود الشعب الفلسطيني ويرفض فكرة الدولة الفلسطينية.
يزغم الصهاينة أن مهاجمة “الجيوش العربية” للقوات الصهيونية المتمثلة في عصابات الهجاناه وشتيرن وبلماخ ثم هزيمتهم في هذه الحرب أفقدتهم حقهم في المطالبة بالأرض المخصصة لهم وفق قرار التقسيم والتي سيطرت عليها القوات الصهيونية بالقوة عام 1948، رغم أن من المبادئ الثابتة في ميثاق الأمم المتحدة التي انتمت لها (إسرائيل) ووافقت على ميثاقها _ وكان شرط قبولها عضواً فيها أن توافق على القرارين الأمميين 181 السابق الإشارة إليه والقرار194 الذي دعا لعودة اللاجئين إلى ديارهم التي هجروا منها_ أنه لا يجوز الإستيلاء على أراضي الغير بالقوة، ويعلم الصهاينة أيضا أنه لا تسقط سيادة الشعب على أرضه مهما تغيرت موازين القوى وإختلفت وتغيرت الحكومات والدول حتى لو خضع الشعب للإحتلال.
ولكن العدو الصهيوني الذي تميز دائماً برفض كل القرارات الدولية التي صدرت لغير صالحه مستنداً إلى الدعم السياسي الأمريكي بشكل خاص والغربي بشكل عام، لا يجد غضاضة في التشدق بالقانون الدولي في الوقت الذي يدوس القانوني الدولي ويضرب به عرض الحائط منذ نشأته المشوهة التي وجدت بقرار أممي، دون اتصال بسياق تاريخي أو وجداني على الأرض التي نشأ عليها.
محاولات القيادة الفلسطينية اليوم للإستدارة للخلف والمطالبة بالدولة الواحدة والعودة للفكرة التي طرحت منذ سبعينات القرن الماضي على أساس أن التعايش بين الشعبين ممكن في ظل دولة ديمقراطية، لا أظنها فكرة مجدية ولا تلقى قبولاً لدى الصهاينة، هذا التعايش الذي لم يكن ممكناً قبل عام 1948م وحينما كان اليهود أقلية على أرض فلسطين لا يملكون إلا أقل من 6%من مساحتها، لا أظنه ممكناً في عام 2021م بعد 73عاماً من النكبة، وذلك لسبب واحد أن طبيعة الفكرة الصهيونية لا تقبل الإندماج.
ولذلك فإن تهديد الرئيس عباس بمنح الحكومة الصهيونية مدة عام لتستأنف عملية السلام وفق المبادرة العربية وحل الدولتين لم يلقَ أدنى اهتمام لدى العدو الصهيوني، فما من شيء يدفعه لمجرد أخذه على محمل الجد بعد كل هذا الضعف الهوان في الإداء السياسي الفلسطيني المستمر منذ ثلاثين عاماً، فإذا كان حل الدولتين غير مقبول اسرائيلياً وكذلك حل الدولة الواحدة غير مقبول، فما هو المقبول لحل هذا الصراع؟
المقبول اسرائيلياً كما دعا له نتنياهو ومن بعده بينت تطبيق صفقة القرن بحكم ذاتي للفلسطينيين في الضفة الغربية ودولة بدون سيادة في غزة، ومبرر ذلك هو أن العدو الصهيوني لا يريد دولة في الضفة الغربية تشكل تهديداً للعمق الصهيوني مهما كانت قيادتها مستسلمة للشروط الصهيونية، لأنهم لا يؤمنون ببقاء القيادات على حالها هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية لا يقبلون بإدماج الشعب الفلسطيني الموجود في الضفة الغربية في الدولة الصهيونية حتى لا يتأثر الميزان الديمغرافي الذي نضب شريانه منذ التسعينيات وكانت آخر تدفقاته الهجرة اليهودية الروسية.
وبطبيعة الحال هذا التصور الصهيوني للحل لا يستطيع محمود عباس وفريقه قبوله حتى اللحظة، رغم ضغوط الدولة العربية التي تقود عملية التطبيع فضلاً على الرفض المطلق لحلول كهذه من قبل قوى المقاومة وقبل ذلك الشعب الفلسطيني، إذاً المنطق يقول إن الصراع سيستمر وأن حسم هذا الصراع لن يكون إلا من خلال فرض الوقائع على الأرض ميدانياً، ويبدو أن العدو فهم هذا المآل الذي تفهمه قوى المقاومة جيداً كما تفهمه القوى الدولية التي تحاول أن تؤخر تجلياته حيناً من الدهر، ولكن الجهة الوحيدة التي ما زالت لم تفهم أو تدعي ذلك هي القيادة الفلسطينية.