اقلام حرة

كيف يتحوّل المرحوم لرجل رائع؟

 

كل الذين ماتوا كانوا احياءً نختلف ونتفق معهم و احيانا كانوا سبباً لازعاجنا الا انهم وعند رحيلهم ننتبه انهم كانوا اصحاباً رائعين .
وكأنّ الموت يطهّر حياة الراحلين إلى حدّ اننا نذكر مساوئهم كلقطات من مشاهد فكاهية في الحياة.
نبرىء المتّهم من عِلله التي كنّا نشكو منها لأنّنا نخاف الميّت.
نخاف من انتقامه منّا حتى ولو في كابوس مرعب.
الميّت شبح لا يختفي،هذا ما يرعبنا ويلزمنا عدم اغضابه.
لماذا ما كنّا ناخذ تصرّفاتهم مزاحاً وهم أحياء ولماذا نبرر لهم سلوكياتهم بعدما يختفون إلى الأبد.
الحيّ ليس شبحاً وفي ذاكرتنا الطفولية الشبح اكثر ما يرعبنا في الليل.
لا يُعقل ان يكون كل الأموات اناس طيّبين القلب الا انّهم يتحوّلون لأناس لطفاء عند موتهم .
ان نذكر محاسن امواتنا ليست وصية ونصيحة فقط إنما هو وصف لحالة نفسية-اجتماعية نمارسها تلقائياً عند الموت مع الجميع اللّهم بإستثناء المجرمين والمتوحشين.
حتى المتوحشين نذكرهم بخوف.
حتى السارق والكذاب نجد لهما مبرّرات مضحكة لحركاتهما عندما يغادران المسرح إلى الأبد.
الموت ليس هزيمة إنّما ربما نعتبره استسلاما في معركة لذلك نترحمّ على الفقيد بمودة ظنّاً منّا انه بموته قد أعلن هزيمته النهائية وأننا لسنا غير الناجين والرابحين والباقين أحياء في الحرب.
نترحّم بمودة لأننا نشعر ان الميت استسلم وربحنا نحن الشجار والعراك والخلاف والصدام والعداوة.
مع موته او موتها ينتهي الصراع.
وكأنّ الموت هزيمة للميّت فعلا وكأنّ الحياة بعده فوز كي لا نقول انتصاراً .
نترحّم لاننا ربما نشفق على المحمول على الاكتف لدفنه في حفرة ما زلنا نحن بعيدين عنها.
ونقول لأنفسنا،رغم كل شيء:
رحمه الله،لا يستحق أن يرمى في حفرة.
اذن الترحّم ليس رقيّاً مفاجئاً لأنفسنا ويبدو ليس التزاما منّاً بوصايا الهية تجعلنا تلقائيا نتحوّل لرحماء.
نحن الناجون من الموت إلى حين نبقى كما نحن لا نَعتبر لاننا نكمل خلافاتنا وصراعاتنا مع الأحياء الباقين و ربما صراعاتنا مع أبناء من نترحّم عليهم.
عند الموت يطهّر الإنسان نفسه من صفاته السلبية ولا نذكره الا في صفاته الحسنة وحتى سيئاته نعتبرها شكلا من أشكال المزاح والمزاج المميّز الا ان حتى سيئات الميت نحوّلها لمشاهد كوميدية فكاهية مضحكة.
لو عاد الميّت سننساه ولن نزوره وسيعود لحكايتنا القديمة معه لحين يموت مجدّداً .
ربّما لاننا مع موت كل واحد من معارفنا نشعر ان الموت يقترب منّا بسرعة ما يرعبنا ويجعلنا عند الموت نسامح ونترحم كي يسامحنا وكي يترحم علينا الاخرون.
كأننا نحن من يطلب من الميت ان يسامحنا بعدما تحوّل لشبح.
أسوأ المشاهد وانت تسير في مقبرة بلدتك وتقرأ اسماء الميتين على الاضرحة،تعرف أغلبهم.
قبل ثلاثين سنة كان كل اصحاب الاضرحة غريبين عنك.
أسوأ المشاهد عندما يموت صاحبك وتذهب لواجب العزاء ثم تتذكر انّك لا تعرف احد من اقربائه كي تواسيهم الا انك تلزم نفسك ان تقدم العزاء لشعورك ان المرحوم يراك مبتسما ومسامحاً لك ان قمت بواجبك او ينظر اليك عابسا إن تخلّفت عن الحضور.
للموت آلية تطهير وتجميل رائعة،يعيش الانسان شريرا ليتحوّل في لحظة موته لشخص بريء ومؤمن وطاهر.
الشبح يرعبنا.
نكذب في حياتنا ونكذب اكثر عند موتنا.
لا تمت!
ابق حيّاً ولا تتحوّل لشبح وادفن الآخرين وترحّم عليهم بقدر ما تشاء…!
اللهم ارزقنا حُسنُ الخاتمة.

د احمد عياش.

 

المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس رأي الموقع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق