متفرقات

المواطنية الرقميّة أو الكفايات الرقمية

لا نحبّذ اعتماد مفهوم “المواطنية الرقميّة”، بل اعتماد مفهوم “الكفايات الرقمية” أو “المهارات الرقميّة” وأخلاقيات التعامل مع العالم الرقمي. لما في ذلك من فصل بين مكونات وأبعاد المواطنيّة من جهة وبين الرقمية كأداة وطريقة حياة من جهة أخرى.

نظم مركز تموز ومؤسسة هانز سيدل شتيفتونغ Hanns seidl stiftung، ورشة تفكير ونقاش٢٠٢٠، حول “التربية على المواطنة الرقمية : لتحقيق الاندماج الوطني والعالمي “في فندق فيكتوري في جبيل.

بعد كلمة لمدير الجلسة الإفتتاحية الدكتور مصطفى الحلوة وكلمتين لكل من الجهتين المنظمتين تحدثت في الجلسة الأفتتاحية رئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء الدكتورة ندى عويجان فقالت:

” ما هو مفهومنا للتربية على المواطنيّة الرقميّة وكيف نحقق الانتماء الوطني والعالمي ؟

المواطنية هي علاقة وجدانيّة وقانونيّة وتفاعليّة بين المواطن والوطن، قائمة على منظومة قيم، تشيّدها الجماعة الوطنيّة، وتتبناها عن قناعة، وتلتزم فيها طوعاً، وتحدِّد بذلك هويتَها الوطنيّة المميَّزة.

تتخطى هذه العلاقة مفهوم الجنسيّة بالولادة وبالاكتساب، وتأخذ عمقها من خلال أربعة أبعاد: بُعد الإنتماء، بُعد المسؤوليّة الاجتماعيّة، البُعد الحقوقي والقانوني والبُعد الأخلاقي. فيعبَّر عن هذه الانتماءات مجتمعة بالولاء للوطن وخدمة المصلحة الوطنيّة، بالقضايا المشتركة، بتبني قيم الجماعة، بتحقيق العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، بالمشاركة في الحكم، ببناء دولة الحق الداعمة لدولة القانون، بالتزام تطبيق الأنظمة والقوانين، عن وعي وقناعة ذاتيّة وأخلاقيّة، وليس فقط خوفاً من العقوبة والقانون، وغيرها وغيرها من الممارسات التي تحقق المواطنيّة المحليّة.

من ناحية أخرى، ان هذا الانغراس الواعي والمسؤول في الانتماء الوطني، والتمسّك بأوَّلَوِيَّة المواطنيّة القوميّة أو المواطنيّة المحليّة وتعزيزها وترسيخها في نفوس المواطنين وعقولهم، لا تنفي الإنتماء الى الإنسانيّة ولا تناقض الإنتماء الى العالم. فأهداف التنمية المستدامة والقضايا الإنسانيّة واحدة، ومشكلات البيئة في العالم متشابهة، ومعاناة الشعوب من الحروب والفقر والمجاعة والمرض، ومن الظلم والتسلّط والعنصريّة والفساد تقضي بالتضامن الانساني ومناصرة القضايا المحقّة، وتتعدى حدود الوطن الجغرافيّة وحدود الدولة القوميّة. فيحلّق المواطن الإنسان في انتمائه الى الإنسانيّة والعالم، عابرا الحدود المكانيّة والزمانيّة لانتماءاته المحدودة الضيّقة، وهذا ما تصبو اليه المواطنيّة العالميّة.

الرقميّة في حياتنا

اجتاحت الثورة الرقميّة عالمنا، وأصبحت الحياة الرقميّة تطوقنا من كل جانب. وتحولت تفاصيل حياتِنا اليوميّة، الخاصة والتربويّة والمهنيّة، وبشكل متزايد، لممارسات رقميّة نستخدم فيها الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والتقنيات الرقميّة الحديثة. وفُرضت مفردات وتعابير جديدة باتت مألوفة على لغتنا وتعليمنا وعملنا.

الرقميّة في حياتنا هي تغيّر ثقافي إيجابي في حال أدركنا المسؤولية الملقاة على عاتقنا كمواطنين فاعلين نتبنّى مبدأ التعلّم مدى الحياةوللحياة . وهو ما تسهّله سرعة انتشار المعرفة الرقميّة وسهولة انتشارها. فالممارسات التي تعتمد على الرقميّة قد تبدّل واقعنا المتعثّر إلى أفق مشرق ينشلنا من القاع في حال انتقلنا من مجتمع مستهلك للمعرفة إلى مجموعة منتجة، متفاعلة ومبدعة تدرك أهميّة الدفع باتجاه التكيّف مع متطلبات العالم الرقمي والدخول في عصر اقتصاد المعرفة بالمشاركة الوطنيّة الفاعلة والمسؤولة.

لم يعد البحث يتناول ما إذا كنا قادرين على العبور نحو العصر الرقمي لأن هذا العبور بات مسألة حتمية فرضتها متطلبات الأمر الواقع، بل أصبح التحدي في إيجاد توازن في دخول الرقميّة في حياتنا دون إهمال جوانب الحياة الأخرى، خاصة الاجتماعيّة-العلائقيّة والعلائقيّة-الإنسانيّة بين المتعلّم وأسرته وبينه وبين مجتمع المدرسة، والجوانب المتعلّقة بالمبادرة الفرديّة والإلتزام والإبداع، والجوانب المتعلّقة بإشراك المتعلّم بأنشطة رياضيّة، اجتماعيّة ، ثقافيّة، مفيدة ومسليّة داخل البيت، داخل المدرسة وخارجهما.

والتربية على التأقلم مع هذا الواقع الجديد يتطلّب منظومة تربويّة جديدة تستشعر المسؤولية التربوية عن الأجيال الناشئة، وتسعى الى ثورة تربويّة متكاملة في إدخال البرمجيّات وتكنولوجيا المعلومات والكفايات الرقميّة الى جميع مكوّنات مناهجنا الوطنيّة، لتذويد أولادنا ومعلّميننا بالمعارف الأساسيّة والضروريّة عن الرقميّة والعالم الرقمي، والى إكسابهم المهارات الرقميّة المطلوبة، والى توجيههم لاتخاذ المواقف السليمة والإستخدام الفعّال والمسؤول والآمن في حياتهم، لتسخير التطور التكنولوجي في تسهيل الحياة، وإيجاد فرص العمل واستنهاض الإقتصاد، والحفاظ على السمات الوطنية والأخلاقية التي يتحلى بها المواطن الحقيقي. إذ لا يوجد حدود للإبداع الإنساني في الإبتكار، وتسخير كل الإختراعات لخدمة تعليم الأجيال وتخريج متعلمين مميزين، سوف يتمكنون من تحقيق خطوات عملاقة في المستقبل. فنكون بذلك قد فتحنا المجال أمام المتعلمين-المواطنين للتكيّف مع متطلبات الانفتاح العالمي والانخراط في منظومة التضامن الانساني والحضارة العالميّة، وضمنّا التوازن في ميزان التبادلوالتفاعل الثقافي والعلمي والقيَمي بين البلدان، بعيداً عن هيمنة الأقوى أو الأغنى على الأضعف أو الأقل حظاً.

المواطنية الرقميّة

وكون التربية هي الحجر الأساس في بناء الأوطان، وفي إطار التأقلم مع هذا الواقع الجديد، بدأنا بالعمل الجدّي، فبظل أزمة كورونا أطلقنا منصّة “مبادرة التعلّم الرقمي” أول منصة تربويّة، رسميّة، مفتوحة ومجانية، تؤمّن خدمات كاملة ومتكاملة في لبنان والمحيط. كما أطلقنا فكرة أوّل أول مدرسة إفتراضية في لبنان، ضمن هيكلّة المركز التربوي.

وكمؤسسة وطنية، ولتلبية الطموحات التي سبق ذكرها، لا بد للمناهج وكفاياتِها، أن تتمتع بالمرونة والحداثة. وأن تستعين بالتكنولوجيا والمقاربات والطرائق المعاصِرة في عمليّة التعليم والتعلّم للأنشطة الصفيّة واللاصفيّة، وللمشاريع البحثيّة، وللمختبرات والصفوف التكنولوجيّة الذكيّة، ولأساليب التعلّم التكييفي المتعدد السرعات والتعلّم المتمايز وغيرِها، ولمجالات التكامل مع التعليم المهني والتعليم العالي والتحضّر لسوق العمل.

نحن في خضم ورشة تربويّة ننتقل من خلالها إلى مناهج تربوية جديدة تعتمد التربية فيها على مهارات الرقميّة الإيجابيّة في التعليم، من خلال الإمكانات الرقميّة المتاحة، وعلى المنحى التفاعلي في الشرح والإفهام والتقييم، نسعى من خلالها الى ترسيخ سلوكيات رقميّة سليمة. توفِر المعلومات في كل وقت، تغني الدروس بوسائل رقميّة متعددة، تزيل المعوّقات والحواجز فيما خص الحصول على المعلومة (تكافؤ في الفرص وفردنة التعلم)، تسهم في تطبيق تطبيق أساس التعليم والتعلم المتباين بحسب الذكاءات المتعددة والحاجات الخاصة، تفعّل التعلّم الذاتي مدى الحياة، تعزز بيئة التعلم، توفّر بيئات تعلم افتراضية رقميّة تفاعلية، تفتح الباب للابتكار والتفكير والتخطيط، تقوي الملاحظة والتركيز والخيال، وتعلّم الأحرف والأرقام وغيرها.

بناء على ما تقدّم، لا نحبّذ اعتماد مفهوم “المواطنية الرقميّة”، بل اعتماد مفهوم “الكفايات الرقمية” أو “المهارات الرقميّة” وأخلاقيات التعامل مع العالم الرقمي. لما في ذلك من فصل بين مكونات وأبعاد المواطنيّة من جهة وبين الرقمية كأداة وطريقة حياة من جهة أخرى.

وأخيرا إنني أقدر عالياً الجهود المبذولة لإنجاح هذا الحدثً ، وأشكر كل من ساهم بإغنائه وتميّزه”

وكان للدكتور ميلاد السبعلي، خبير التعلم عن بعد وخبير تطوير المناهج في المركز التربوي، مداخلة في الجلسة الأولى حيث عرض مفهوم المواطنة الرقمية وخصائصها بحسب التعريف العالمي لها، وقدم ملاحظات حول التسمية، وشرح ضرورة تحصين افراد المجتمع الذين يتعاملون يوما بعد يوم مع التطبيقات والمنصات لرقمية، ووسائل التواصل، ليتعرفوا على مسائل مثل الحقوق والواجبات وعدالة الوصول الى المعلومات والخصوصية والأمن والملكية الفكرية والقواعد السلوكية الرقمية وادارة السمعة الرقمية… ثم تحدث عن التعلم الرقمي وعن الخصائص التي تساعد المعلمين والمتعلمين على تأدية سلوك افضل واستخدام التكنولوجيا بطريقة محترمة وآمنة ومسؤولة. ثم عرض د. السبعلي مشاريع المركز التربوي الرقمية سيما المتعلقة بتطوير المناهج وبمنصة التعلم الرقمي وخطة مواجهة وباء الكورونا، اضافة الى إطلاق فكرة المدرسة الافتراضية اللبنانية والعمل على تحقيقها بأسرع وقت، للاسهام في استيعاب اكبر عدد ممكن من الطلاب الذين قد ينتقلون الى المدرسة الرسمية، في وقت قد تضطر فيه المدارس اعتماد التعلم المدمج او التعلم عن بعد بسبب الاوضاع الحالية…

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق