أقتصاداقلام حرة

لبنان بين خيار المواجهة الاقتصادي او التراجع

للحديت عن هذا الموضوع لا بد من دارسة مقارنة

لبنان بين خيار المواجهة الأقتصادي أو التراجع.
في ظل خلل موازين القوى!
كتب :د عماد عكوش.
للحديث عن هذا الموضوع لا بد من دراسة مقارنة ما بين خيار أيران في المقاومة الأقتصادية ومقوماتها ، وما بين مقومات لبنان في ذلك .
ماذا يمتلك الإقتصاد الإيراني؟
تمتلك إيران ثاني أكبر اقتصادٍ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بعد المملكة العربية السعودية ، حيث بلغ إجمالي الناتج المحلي عام 2019 حوالى 510 مليار دولار، وهي ثاني أكبر بلدان المنطقة بعد مصر من حيث عدد السكان ، إذ بلغ عدد سكانها قرابة 82 مليون نسمة في العام 2019 .
ويتميّز الاقتصاد الإيراني بتعدد القطاعاتٍ الأقتصادية ، أهمها: القطاع الهيدروكربوني ، والزراعة والخدمات ، أضافة الى قطاعي الصناعات التحويلية والخدمات المالية والمصرفية. وهو بذلك يُعتبر الأكثر تنوعاً في المنطقة ، خاصة اقتصاديّات الدول الأعضاء في منظمة الدول المصدّرة للنفط (أوبك)، وهذا لا ينفي حقيقة أن قطاعي النفط والغاز، كانا ولا يزالان يشكّلان القطاع الرائد في الهيكل الإقتصادي الأيراني ، ويساهمان إلى حدٍّ كبيرٍ في الإيرادات الحكومية، وهما يشكّلان الدّعامة الأساسية لصادرات أيران .
هذا وتشير البيانات المالية للأقتصاد الإيراني إلى وجود صناعاتٍ قويةٍ ومزدهرة وخاصة في صناعة السجّاد وصناعة السيارات والآلات الثقيلة والجرّارات والتّعدين والنّسيج والصّناعات الغذائيّة والبتروكيماويات وحتى صناعة الأسلحة . وُظهر بيانات البنك المركزي الإيراني أن القطاع غير النفطي شكّل قرابة 90% من الناتج المحلي للبلاد عام 2015، وهو يعكس تنوعاً أكبر في ناتج البلاد ، بينما يستحوذ قطاع النفط على قرابة 10% من الناتج المحلي خلال العام نفسه .
كما تمتلك إيران رابع احتياطيٍّ عالمي من النفط الخام، وأكبر احتياطي عالمي من الغاز الطبيعي. وعلى الرغم من احتياطيات البلاد الوفيرة، إلاّ أن إنتاج إيران من النفط الخام، تباطأ بشكلٍ كبيرٍ على مدار السنوات الماضية، بفعل تشديد العقوبات المفروضة عليها من القوى الدوليّة منذ أوائل عام 2011 وحتى عام 2015 وصولا” لتجديد العقوبات عام 2020 .
هذا ما جعل أيران دولة قوية قادرة على مقاومة كل أشكال الضغوطات الخارجية ومكنها من تجاوز كل أنواع الأزمات والحروب التي خاضتها سابقا” بغير أرادتها ، وفي نفس الوقت فرضت نفسها في المنطقة بفضل علاقاتها القوية والمتينة التي بنتها مع دول وأحزاب وحركات تحررية ، ومكنها في نفس الوقت من بناء الأقتصاد المقاوم واستطاعت خلال فترةٍ ليست بالقصيرة أن تجنيَ ثمار صمود اقتصادها أمام العقوبات الشديدة التي فُرضت عليها لسنوات، وحماية الإنتاج المحلي، ودعمه وتهيئة الظروف المناسبة لنموّه بعيداً عن المؤثرات الخارجية والعقوبات الدولية ، بالإضافة إلى زيادة الخصخصة ، ورفع صادرات الكهرباء والغاز والبتروكيمايات ومنتجات النفط بدلاً من النفط الخام الذي مُنعت من تصديره في السنوات الأخيرة .
أضافة الى كل هذه المقومات أيران تملك مركزا” جغرافيا” وسطيا” يساعدها على فرض نفسها كونها نقطة وصل ما بين الشرق الأقصى ، والشرق الأدنى ، والشرق الأوسط والغرب ، وهي نقطة عبور أساسية لأكثر من نصف صادرات النفط والغاز في العالم ، لذلك لا يمكن تجاوزها .

ماذا يمتلك الأقتصاد اللبناني ؟
يتميز الأقتصاد اللبناني بأنه اقتصاد حر ومنفتح ويعتمد على الرأسمالية الفردية ، ويعتبر الاقتصاد اللبناني من اقتصاديات الدول النامية والتي تعتمد على القطاع الخاص بشكل كبير، حيث يشكل القطاع الخاص في اقتصاد لبنان ما يُقارب 75% من مقدار الطلب الكلي، حيث يتم دعم هذا القطاع من قِبل القطاع المصرفي الكبير بنسبة 90%. ومن أهم المقومات الأساسية التي يعتمد عليها الاقتصاد اللبناني ما يلي:
– الاستثمارات الأجنبية المتنوعة ، التي تعمل الجمهورية اللبنانية على جذبها بمختلف الطرق .
– القطاع الصناعي والمتاح أمام المستثمرين الأجانب والذي بدوره يُوفر العديد من فرص العمل للأفراد المحليين، التي تساعد على تحسين حركة الاقتصاد وتزيد من نسبة الصادرات للدول المجاورة.
– القطاع الزراعي الكبير والمساحات الزراعية الكبيرة ، حيث يوجد فيها نسبة كبيرة على الزراعة والمنتجات الزراعية والقيام بتصديرها للخارج ، حيث يوفر العديد من الإيرادات المالية للدولة.
– القطاع السياحي، حيث يُعتبر من أهم المقومات للاقتصاد اللبناني ويعتمد بشكل كبير على الإيرادات من القطاع السياحي ، وذلك نظراً لوجود العديد من المناطق السياحية فيها والتي بدورها تعمل على جذب الاستثمارات الخارجية.
– القطاع التجاري المميز، حيث يتوفر في الجمهوزرية اللبنانية بسوق كبير يتميز بالتنافسية العالية والكبيرة.
كل هذه المميزات اليوم مفقودة بفعل الأزمة المصرفية ، الأقتصادية ، أزمة كوفيد 19 ، النازحين السوريين ، والأزمة السياسية والمستمرة منذ أكثر من 15 سنة ، بحيث تراجعت الصناعة بعد أن تم القضاء على قطاع الصناعة وفتح الأسواق اللبنانية أمام أغراق السوق بالصناعات المستوردة ، كما تم القضاء على الزراعة بعقد أتفاقات زراعية مع دول محيطة وعربية كلفة مزروعاتها أقل بكثير من كلفة المزروعات اللبنانية ، مما جعل الأقتصاد اللبناني أقتصادا” ريعيا” يقوم على السياحة والخدمات المصرفية والتي سقطت مع سقوط النظام المصرفي وبروز مشكلة كوفيد 19 ، الأزمة السورية والتي أقفلت بوابات التصدير أمام الصادرات اللبنانية ، ومن ثم لاحقا” قانون قيصر الذي حرم لبنان من ميزة الترانزيت التي كان يتمتع بها كبوابة لبعض مستوردات الدول العربية ولا سيما سوريا والعراق .
هذا كله خنق الأقتصاد اللبناني وفاقم الأزمة الأقتصادية وانعكس ذلك على الوضع الأجتماعي والسياسي في لبنان وزاد من نسبة الفقر والحاجة لدى اللبنانيين .
في ظل هذا الواقع في لبنان والذي من المتوقع أن يزيد مع أتجاه دول الخليج الى مزيد من التطبيع مع الدولة الصهيونية ، وبالتالي الضغط على هذه الدول لأتخاذ المزيد من الضغوطات على لبنان وخاصة لناحية المغتربين اللبنانيين الذين يعملون لديها وبالتالي حرمان لبنان من جزء أساسي من التحويلات التي يؤمنها هؤلاء لأقربائهم في لبنان ، أضافة الى أمكانية قيام الولايات المتحدة باتخاذ المزيد من العقوبات على الشخصيات والمؤسسات اللبنانية ، مما سينعكس بشكل سلبي على الواقع الأقتصادي والأجتماعي للشعب اللبناني ولا يمكن تخطي هذا الواقع ألا عبر مساعدات يتم تقديمها مباشرة من دول صديقة ، فهل هذا الدعم ممكن ، ومن هذه الدول التي يمكن أن تقوم بذلك ؟
كما قلنا سابقا” فأن دول الخليج لن تقوم بمبادرة مساعدة لبنان للخروج من أزمته لأسباب عدة منها :
– الضغط الأميريكي الكبير عليها لعدم تقديم هذه المساعدة.
– خروج لبنان من سيطرة هذه الدول بشكل جزئي .
– الأزمة مع الم ق ا و مة لناحية دعم الح ش د الش ع بي ، الحو ث يي ن ، والجيش السوري .
الأوروبيون وعلى رأسهم الفرنسيون أيضا” لن يخرجوا عن الطاعة لليسد الأميريكي ، فماذا يبقى من أصدقاء أمام الشعب اللبناني ، ومن هي الدول التي يمكن أن ترغب في تقديم المساعدة ؟
أن الدول التي لديها الرغبة بمساعدة لبنان هي ثلاث :
– العراق
– سوريا
– أيران
العراق اليوم يتخبط بمشاكل أقتصادية ، سياسية ، وأمنية وهو ولو كانت لديه الرغبة في المساعدة لكن هذه المساعدة يستحيل تقديمها لعدة أسباب :
– العراق لن يقوم بمواجهة الولايات المتحدة الأميريكية لأسباب تعود الى ضعف النظام الحالي .
– الطريق لن تكون مفتوحة أمام أي مساعدة يمكن أن يقررها العراق كما حصل مع المحروقات .
سوريا تعاني من وضع أقتصادي يمنعها أن تقدم أي مساعدة لأي دولة في العالم وهي بحاجة ألى من يساندها في وضعها الحالي .
أيران هي الدولة الوحيدة القادرة على الوقوف الى جانب لبنان لتجاوز الأزمة الخانقة ولكن دون ذلك مصاعب كثيرة أهمها :
– عدم وجود طرق دولية سالكة لوصول هذه المساعدات وقد رأينا حتى في لبنان لا يمكن تأمين الطرق المحلية .
– عدم موافقة الحكومة اللبنانية على هذه المساعدات خوفا” من العقوبات من ناحية ، وانسجاما” لبعض أطراف الحكومة وخاصة رئيسها مع تحالفاتهم الأقليمية والدولية .
يبقى أمام أيران تهريب هذه المساعدات كتهريب الأسلحة لل م ق ا و مة فهل يستطيع الأقتصاد اللبناني أن يعيش على التهريب ، وهل يمكن أيجاد طرق سالكة أمام هذا الكم الكبير من المساعدات التي يحتاجها الشعب اللبناني ، وهل يمكن الأستمرار لأي أقتصاد في العالم بهذه الطريقة ؟
السؤال الأخر هل المطلوب الأستسلام أمام كل هذه الضغوطات ؟
الجواب بالتأكيد لا ، لكن المواجهة الأقتصادية في ظل هذه المقومات وفي ظل الخلل الكبير في موازين القوى هو الأنتحار بعينه ، المطلوب المزيد من البراغماتية في التعامل مع الواقع كما فعلت وتفعل أيران رغم أن أيران تملك مقومات المواجهة ، وعدم الأنجرار الى المواجهة الأقتصادية ، لأن لبنان وال م ق ا و مة لا يملكوا مقومات هذه المواجهة ، كما أيضا” المطلوب المزيد من الدعم من أيران لبيئة ال مق اومة أذا أرادوا الأستمرار في المحافظة على هذه البيئة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق