مقالات

الموت يغيّب شيخ المؤرخين الأندلسيين

عاشق الاندلس ،،،،
الموت يغيّب شيخ المؤرخين الأندلسيين

عبد العزيز بدر القطان

ودّع العالم الإسلامي أحد الركائز الأساسية في دراسات التاريخ الأندلسي، من الفتح إلى السقوط، المرحوم بإذن الله المؤرّخ العراقي الدكتور عبد الرحمن الحجي، في العاصمة الإسبانية مدريد بعد مسيرة علمية رائدة أمضاها في خدمة التاريخ الإسلامي عامة، والأندلسي خاصة.

الراحل من مواليد العام 1935، في مدينة المقدادية في أرض الرافدين العراق، درس في مدينته الدراسة الأساسية ثم انتقل للقاهرة فوصل لكلية دار العلوم في جامعة القاهرة ليبدأ المسيرة بتعلم العربية وآدابها والدارسات الإسلامية، والتي فتحت أمامه باب دراسة التاريخ الإسلامي. وانتقل بين بغداد، الرياض، الكويت، صنعاء، والإمارات، وتوفي رحمه الله في مدريد بتاريخ 18.01.2021 في موطنه الذي عاش طيلة حياته يكتب ويؤلف ويحاضر في الجامعات عنه الأندلس، عشقه الذي عاش عليه وتوفي عليه، إثر أزمة قلبية عن عمر ناهز الـ 86 عاماً مليئاً بالإنجازات والمؤلفات والتعليم والتدريس.

خسره العالم الإسلامي والعربي، وخسرته شخصياً، كان كريماً ومكافحاً ومعطاءاً، محباً للخير فعلاً وإسهاماً، كيف لا وهو الذي كتب عن الأندلس بكل شفافية وحيادية، ودقة ووضوح، ومؤلفاته شاهدة على هذا الأمر، وكما يُقال: (سبب اهتمام المؤرخ الحجي رحمه الله بتاريخ الأندلس يرجع إلى أهمية تلك البلاد إذ إنها تسمى في العراق، الفردوس المفقود، بعد ما بذل المسلمون جهودهم الجبارة في تلك الأرض لتكوين حضارة إنسانية لها تأثير في المشرق والمغرب وفي أوروبا، وإلى مكانتها المجتمعية العالية فقضية الأندلس أشبه بالقضية الفلسطينية اليوم).

بأي كلماتٍ أنعيه، وهو المؤرخ الكبير صاحب البحوث والمؤلفات القيّمة، لقد كانت حياته زاخرة بالدفاع بالقلم وباللسان عن المسلمين وحضارتهم في الأندلس، فما كان لأرواحنا إلا رياحيناً، وهو الصبور الذي لا يشتكي، مع أن حياته كانت ممتلئة بالكفاح وتحمل المصاعب خارج وطنه. فلقد كان لي شرف لقائه في الكويت، وكان يمدني بالنصيحة ولا يبخل عليّ بها، ولا تزال بعض كتبه التي تحمل توقيعه الخاص لي تزين مكتبتي، فهي خسارة كبيرة على الصعيد الشخصي والعربي وحتى على المستوى الدولي.

ترك لنا الدكتور عبد الرحمن الحجي من العلم ما جعله مؤرخاً قديراً ذا مكانة كبيرة في الوسط الإسلامي، فمن العمل في الوسط الأكاديمي وحتى التأليف والتحقيق، الدكتور عبد الرحمن الحجي رحمه الله ترك لنا في مقدمة كتابه التاريخ الأندلسي من الفتح الإسلامي حتى سقوط غَرناطة تحية: “إلى كل أهل الأندلس الذين شاركوا مجاهدين وعملوا محتسبين، في أي ميدان، لبناء تاريخه الإسلامي الوضيء، وإقامة حضارته السنية الطهور، فلعل هذا السفر يوفر له صورة”. لقد لخص في كتابه هذا، تاريخ الأندلس الطويل والضارب مئات السنين في التاريخ، في ما يقرب من 600 صفحة تناول فيها التاريخ بدءاً من وضع أوروبا قبل الفتح الإسلامي للأندلس ومن ثم الفتح المبارك للأندلس، ويتطرق إلى استقرار البلاد وتنظيم صفوفها واعتناق الإسبان للإسلام في عهد الولاة، وينتقل إلى أبرز أحداث عهد الإمارة ونشوء الدويلات الإسبانية شمال الأندلس ويتحدث عن السياسة الخارجية للأندلس على شقيها مع العالم الإسلامي والعالم غير الإسلامي. فلقد غرّد الراحل في 12 يناير/ كانون الثاني الجاري قائلاً: (ما زلنا نقدّم ماجلان البرتغالي وفاسكو ديغاما على أنهما مكتشفان جغرافيان، ولو سمع أحدهما بهذا الوصف لإستلقى على قفاه من الضحك على هذا الوهم، إذ لم يكونا سوى محاربَين صليبيين لملاحقة المسلمين في كل مكان).

وعن جدارة استحق الراحل لقب شيخ المؤرخين لأنه أول من بدأ بالدراسات الأندلسية بشفافية الواثق والمقتدر، فقد كتب عنها تاريخياً وشعراً ورواية، لأن حضارة تلك البلاد ليست عريقة وحسب، بل إنها حيوية ولا تزال ترفل بالعطاء والجمال والعلم ولا عجب أن اتخذ إسبانيا سكناً له في آخر حياته.

أخيراً، أختم بقوله رحمه الله وجعله مع الأولياء والصالحين: (أزعم أن معرفة التاريخ الإسلامي من أكبر الروافد في فهم الإسلام نفسه، قرآناً وسنةً وسيرة، لأنه هو التطبيق العملي للإسلام)، رحمه الله كان همةً في التأريخ وتنقية تاريخنا ليعطينا السمين على طبق من ذهب بأيد إسلامية موثوقة لا بأيد غربية هدّامة لتاريخنا، تريد تشويهه وتزويره لتسلب منا هويتنا التاريخية الإسلامية.

*كاتب ومفكر – الكويت.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق