متفرقات

“ليس من قصد الحق فأخطأه، كمن قصد الباطل فأصاب” (الإمام علي ع)

من المفارقات العجيبة الغريبة في بلادنا، أنه اذا ما عبر الانسان عن رأيه السياسي في أمر ما، وكان مخالفاً لبيئته، كُفِّر وعُنف وأقاموا عليه الحد!
فنحن لغاية الآن لم نعتد، على ثقافة التنوع، ولم نعتد على تطبيق المفاهيم الإلهية المنصوص عنها في القرآن الكريم وفي الأحاديث النبوية الشريفة… نحفظها ولا نطبقها أونمارسها، ففي القرآن الكريم الكثير من الآيات الواردة في الحث على الحوار: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (النحل 16/125)، وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (العنكبوت 29/46).
وكان من آداب المؤمنين وعاداتهم أنه اذا اختلف أحدهم بالرأي وكما ورد: (تَرِدُ عَلَى أحَدِهِمُ القَضِيَّةُ في حُكم مِنَ الاَحكَامِ فَيَحكُمُ فِيهَا بِرَأيِهِ, ثُمَّ تَرِدُ تِلكَ القَضِيَّةُ بِعَينِهَا عَلَى غَيرِهِ فَيَحكُمُ فِيها بِخِلافِ قَولِهِ, ثُمَّ يَجتَمِعُ القُضَاةُ بِذلِكَ عِندَ الإمام الَّذِي استَقضَاهُم, فَيُصَوِّبُ آرَاءَهُم جَمِيعاً, وَإِلهُهُم وَاحِدٌ! وَنَبِيُّهُم وَاحِدٌ! وَكِتَابُهُم وَاحِدٌ)!
تعرض الإعلامي الأستاذ قاسم قصير الى الكثير من القدح والذم من قبل فئة كثيرة من الناس، واستغل بعض المبغضين لقاسم قصير وللجماهير التي انتقدت، ليقوم بدوره الخبيث بتوسيع الشرخ أكثر وبتبييض وجهه على حساب الطرفين معاً.
قد يكون ما أعلنه الحاج قاسم قصير (في المقابلة التي أجريت على قناة أن بي ان يوم الاربعاء في السادس من كانون الثاني الحالي مع الزميلة سوسن درويش صفا وبمشاركة الزميل الأستاذ سركيس نعوم)، خالف التوجه العام في بيئته وبيئة المقاومة، إلا أنه لا يجوز أن يُكفر ويُشتم، فبالامكان النقاش والحوار والوصول الى قواسم مشتركة، خاصة وأن الحاج قاسم هو ابن البيئة ومن الإعلاميين البازرين الذين خدموا فترة طويلة ضمن هذه البيئة ولم يكن بيوم من الأيام بعيداً عنها، وقد تكون العبارات خانته، أو التوقيت غير ملائم، وخاصة في رأيه فيما يخص، ولاية الفقيه، أو العودة إلى لبنان في هذا الوقت بالذات.
ففي موضوع ولاية الفقيه، لا تتعارض الولاية مع أي من مكونات المجتمع الشيعي في لبنان، فبالامكان للمقلدين ان يقلدوا من يشاؤون من المراجع، فمنهم من يرى ولاية الفقيه ومنهم يرى غيرها، لكنها لا تتعارض أبداً مع أي مكون لبناني أراد ان يتبع ولاية الفقيه، فهذا شأنه وخياره.
وفي موضوع العودة إلى لبنان، فاعتقد أن “الجماعة” موجودين في لبنان ولم يغادروه اطلاقا، بل دعت الضرورة إلى الخروج، والقيام بالواجب والذي ما زال واجباً لغاية الآن، وعندما يسقط الوجوب، لا أعتقد أن أي عاقل يريد البقاء خارجاً، ولا أعتقد أي منّا يستطيع أن يحدد توقيت سقوط الوجوب إلا إذا كان على اطلاع كامل بتفاصيل ما يجري في الداخل والخارج، ولا أعتقد ان الحاج قاسم يعلم كل هذه التفاصيل.
على أي حال قد يكون تسرع فيما قاله إلا أنه لا يجوز التعرض بهذا الشكل لكرامات الناس. خاصة وأن الحاج أوضح ببيان فيه اعتذار نشره على حسابه وقال: “بدا ان الموضوعات التي طرحتها في المقابلة على صعيد الطرح او الاسلوب أو حتى التوقيت غير مناسبة. ولم أشكك ابدا بلبنانية المقاومة وهم ابناء هذا الوطن والمدافعين عنه بالدم طيلة السنوات الاربعين الماضية، ولكن قلت إن الحزب في الـ10 الأخيرة اضطر للقيام بدور خارج لبنان لأسباب جيوسياسية ولاهداف واضحة. وعلى صعيد العلاقة مع الجمهورية الإسلامية والايمان بولاية الفقيه، فأنا أكدت على أهمية هذه العلاقة على مدى اربعين عاما، إن على صعيد دعم المقاومة اللبنانية ومقاومة فلسطين، ولكن تغير الظروف قد يتطلب مقاربة جديدة وهي تتطابق مع ما يعلنه الامين العام السيد حسن نصرالله من أن القرار في لبنان لقيادة المقاومة وما أكد عليه النائب حسن فضل الله في كتابه حول المقاومة ولبنان وأهمية الوطن والدفاع عنه. وبالنسبة للشهيد القائد قاسم سليماني فأنا أكدت أهمية الدور الذي قام به دفاعا عن لبنان ودعم المقاومة وقلت إن الوفاء لدوره وتكريمه أمر طبيعي، نعم مع لحاظ الخطأ الذي وقعت به بالاستناد الى وجهة نظر واحدة. واتوجه الى جمهور المقاومة التي احب بالاعتذار ان مسته مقابلتي في مكان ما، وهذه بعض النقاط التوضيحية أحببت الإشارة إليها مع التأكيد للجميع أنني لا زلت ملتزما بخيار المقاومة حتى تحرير كافة الاراضي المحتلة ودعم المقاومة الفلسطينية، وأنني لم اتخل ولن افعل عن هذا الخيار، مع دعوتي الى تحاور اللبنانيين من أجل حفظ لبنان ووحدته ولمواجهة الكيان المحتل.
الحاج قاسم معروف بطيبته وغيرته ونخوته وتاريخه يشهد بذلك، لا بل تعرض للكثير من الضغوط خلال عمله الصحافي والإعلامي، ولم يتزحزح، عن آرائه ولم يغيرها، وبالتالي لا بد من مخافة الله فيما تقولون وتدعون، أن تحب قاسم قصير او لا تحبه هذا شأنك، ولكن درجات إيمانه ونواياه فهي بيد الله وليس يدك، والله من وراء القصد والسلام.
أسرة “سنا تي في”

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق